الرئيسيةمقالات سياسيةأولويات تحكُم مواصفات الرئيس

أولويات تحكُم مواصفات الرئيس

Published on

spot_img

كثُرَت التحليلات والسجالات الداخلية والمبارزات التلفزيونية والصحافية حول ملف انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان، وكأنّ شيئاً لم يحصل على صعيد المنطقة والعالم.

يجب أن نستطلع ما حصل في الأشهر الماضية، وماذا يحصل الآن، ونبني على الشيء مقتضاه. فهناك نقاط أساسية دولية وإقليمية ومحلية تأخذها الدول المعنية بالملف اللبناني في الاعتبار:

ـ أولاً، على الصعيد الأميركي، هناك ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية الذي بات واقعاً… فمن الوجهة الأميركية تأتي مصلحة إسرائيل اولاً، ومن ثم، ولو من بعيد، تأتي مصلحة لبنان. فـ»الثنائي الشيعي» غضّ النظر عن الترسيم، مع إننا إذا تعمّقنا في حقيقة الأمور على المستوى الاستراتيجي، ندرك تماماً أنّ اتفاقاً كهذا لا يمكن ان يمرّ مع هذا «الثنائي» بالطريقة التي مرّ بها. فالأولوية الأميركية الآن في موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية تمرّ من خلال تأمين مصلحة استمرارية هذا الترسيم، وأمنه من أمن اسرائيل استراتيجياً واقتصادياً وحيوياً. ولا مجال للتفريط باتفاق كهذا من أجل ملف انتخاب رئيس، لا بل هناك حاجة إلى أي رئيس يطمئن «الثنائي» الضامن جغرافياً وأمنياً لهذا الترسيم.

– ثانياً، ملف النازحين السوريين الذي يشكّل خطراً كبيراً على الدول الأوروبية وإحراجاً للأمم المتحدة.

يتطلع الأوروبيون إلى شخص الرئيس الذي يمكنه أن يؤمّن عودة النازحين السوريين، ولو تدريجاً، منعاً لخطر اللجوء غير الشرعي الذي تعاني منه الدول الأوروبية يومياً، وخصوصاً انّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتوازن الديموغرافي، لم ولن يتحمّلا نازحاً واحداً إضافياً لدى الاوروبيين، وذلك في ضوء الدين العام الذي تكبّدته اوروبا بسبب «كورونا»، نتيجة إنفاق هائل وتضخّم لم تشهده منذ قرون.

فبالنسبة إلى اوروبا، إنّ مواصفات الرئيس الذي يتمتع بعلاقة ثقة وصداقة تاريخية مع سوريا، تمكّنه من وضع برنامج عودة هؤلاء اللاجئين، هي من الأساسيات.

ـ ثالثاً، على مستوى الفاتيكان، إنّ الهمّ الأول للكرسي الرسولي هو الوجود المسيحي في لبنان. فالفراغ الرئاسي الذي يتكرّر منذ استحقاقات عدة، قد يشكّل خطراً جدّياً على منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية، التي هي الرئاسة المسيحية الوحيدة بين كل الرئاسات العربية. وإنّ تسيير لبنان من دون رئيس تحت عنوان استمرارية المرفق العام، هو خطر في حدّ ذاته، ويشكّل عادة غير طبيعية ومؤقتة يمكن ان تصبح يوماً حالة عادية، خصوصاً إذا استمر الفراغ في سدّة الرئاسة.

– رابعاً، على الصعيد السعودي ودول الخليج عموماً، فإنّ السعودية اليوم هي في أوج نهضتها الإعمارية والاقتصادية والإنمائية، وهي نهضة لم تشهدها المملكة منذ نشأتها. فـ»رؤية المملكة 2030» التي رسمتها للاستغناء عن النفط واستبداله بالمشاريع المنتجة خدماتياً وسياحياً وتحقيق الاكتفاء المالي من دون النفط، هي تحوّل استراتيجي ضخم جداً، يرتكز أولاً على الأمن والاستقرار. وأولوية هذا الاستقرار تقوم على حسن جوار مع اليمن، ووقف التدهور العسكري والأمني وخصوصاً الصاروخي الذي هو وحده كفيل بهروب رأس المال وفرص الاستثمار، كما انّ كلفة هذه الحرب باهظة جداً، وبالتالي، فإنّ عوامل الاستقرار والإنماء والاستثمار هي الأولوية والأساس.

– خامساً، على مستوى إيران تبرز الضمانات التي يمكن أن تؤمّنها، إن كان على مستوى الملف اليمني، أو على مستوى استقرار الخليج واستقرار جنوب لبنان، بما فيه الترسيم الحدودي وحسن الجوار مع السعودية والخليج، وذلك من خلال ما تتمتع به من علاقة قوية مع شيعة لبنان واليمن والعراق، وكذلك من خلال حرصها على الالتزام بالاتفاق الايراني ـ السعودي تحت الرعاية الصينية، فالمعلومات تؤكّد أنّ الايرانيين سيتركون ملف الرئاسة الأولى في لبنان لحلفائهم، وأنّهم سيدعمون أي قرار يتخذه هؤلاء الحلفاء.

خلاصة هذا التوصيف تكوّن اقتناعاً بأنّ مَن في إمكانه ان يؤمّن هذه الضمانات ستكون له الكلمة الفصل في ملف الرئاسة الأولى. فلنقرأ ماذا يحدث في العمق ونحتكم إلى العقل ومصلحة لبنان والشعب اللبناني المقهور، الذي لم يعد يتحمّل مزيداً من الانهيار واليأس، لكي لا نقع ومعنا لبنان في المجهول المؤكّد.

أحدث المقالات

نقض العهود في مرمى الكنيسة

يحاور جبران باسيل تحت سقف بكركي، يتعهّد بالالتزام ببنود محددة، ثم يأخذه إغراء نقابة...

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحــزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون...

لغة حماس “تتغيّر”: وقف الحرب بـ1701 واتفاقية الهدنة للبنان

في موازاة لغة الحرب والتصعيد التي يركز عليها الإسرائيليون، تخرج لغة مختلفة هدفها الدعوة...

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران...

المزيد من هذه الأخبار

الخماسية – “الحــزب”: لا رئيس قبل تسوية غــزّة

يُفترض عدم التقليل من أهمية اجتماعات سفراء الدول الخمس بالافرقاء المناوئين لحزب الله. بيد...

جعجع “يهتدي” بخصومه: الهجوم على السوريين كعدو سهل ومربح

يحدث أن تتبدّل مواقف وسياسات قوى أو دول أو أنظمة. ما يقود إلى ذلك...

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة...

جعجع يُخفق في الاستراتيجيا و”لا يبدو شاطراً في التكتيك”!

من جريمة مقتل القيادي في القوات اللبنانية باسكال سليمان إلى الإشتباك الحالي بين القوات...

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن...

“اتفاق هوكشتاين” المؤجل: من انتظار غــزة إلى انتظار إيران

لدى لبنان تجارب كثيرة وخطرة في آن، مع مسارات التفاوض في معالجة الأزمات العسكرية...

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية،...

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة...

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد...

الجبهة الجنوبية تحرق الـ1701: مصير اليونيفيل واليوم التالي للمعركة

كل يوم تطول فيه الحرب المندلعة في الجنوب بين حزب الله وجيش الإحتلال الإسرائيلي،...

السُّنّة وانتخابات المهندسين: رحم الله رفيق الحريري

إن كانت خسارة القوات اللبنانية في انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس وبيروت يمكن النقاش...

حين “يسكر” جبران باسيل بالنصر

سيخضع تحالف انتخابات نقابة المهندسين الذي أعاد النبض إلى علاقة رئيس «التيار الوطني الحر»...

الحزب لباسيل: الكلمة للميدان!

لم تلقَ رسالة النائب جبران باسيل إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن أيّ ردّ...

نار الجنوب تستعر: صواريخ “الحــزب” وأنفاقه هدف إسرائيل الاستراتيجي

كل الأجواء الآتية من تحركات الجيش الإسرائيلي، ووضعية “الجبهة الداخلية” وخصوصاً الشمالية، تشير إلى...

“حــزب الله” يفصح عن معطيات جديدة في الملف الرئاسي

مصادر على صلة بحزب الله لا تستبعد اطلاقا ان يكون الثنائي الشيعي قد تلقّى...