يتوزع المشهد اللبناني على أكثر من صورة. تبقى الأنظار على تطورات الخارج، فالمسؤولون اللبنانيون لا يفصلون أي تطور داخلي عن انعكاساته الخارجية. لذلك، اتجهت الاهتمامات إلى مسارات متعددة. حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية. مسار المفاوضات الإيرانية الأميركية المستمر. مسار المفاوضات الأميركية السعودية. وفي كلا المسارين، هناك اصرار أميركي على تحقيق تقدم، من شأنه أن يعيد إنتاج “نظام إقليمي جديد”. بالإضافة إلى مراقبة ومتابعة والإنخراط في مسار الحرب على غزة، وربط الجبهة اللبنانية بتطورات الوضع هناك، لا سيما في ظل استمرار المواجهات بين حزب الله وجيش الإحتلال الإسرائيلي. وهذا ما يسهم في تأجيل كل الاستحقاقات اللبنانية. وعلى الرغم من محاولات الدول الخمس المعنية بلبنان لفصل الملف الرئاسي عن مواجهات الجنوب وحرب غزة، إلا أن ذلك غير ممكن وغير متاح. خصوصاً أن حزب الله قد أبلغ كل المعنيين في الداخل والخارج أنه غير معني بأي نقاشات حالياً قبل انتهاء الحرب.
ثلاث صور
في هذا السياق، تبرز الصورة الأولى، وهي لاجتماعات الدول الخمس على مستوى السفراء، أو مع القوى السياسية والكتل النيابية، في ظل تفسيرات متناقضة لمقاصد السفراء من بيانهم الأخير. على الرغم من ذلك، لم يدفع ذلك إلى تغيير مواقف القوى السياسية، ما سيظهر الخماسية غير قادرة على تحقيق أي نتيجة، لا سيما أن بعض التقييمات تخلص إلى لا واقعية المواقف التي تطلقها الخماسية حول الفصل بين الملفات.
الصورة الأخرى، هي لجولة جديدة سيجريها المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، الأسبوع المقبل في بيروت. إذ سيأتي محملاً بالمواصفات المفترضة التي سيبلغها للمسؤولين، فيما سيسعى إلى إعادة ترتيب العلاقة مع جبران باسيل بعد التوتر الذي نجم عن اللقاء الأخير بينهما، إثر الخلاف على مسألة التمديد لقائد الجيش جوزيف عون. على الأرجح، ستكون صورة لودريان كما سابقاتها بلا أي نتيجة. ولكن، سيقال حينها مجدداً أن مسؤولية التعطيل ألقيت على القوى اللبنانية.
الصورة الثالثة، هي لزيارة مرتقبة ستجريها السفيرة الأميركية في لبنان إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأيضاً البحث معه في كل التطورات والمساعي التي يمكن أن تبذل لتوفير ظروف عقد جلسة انتخابية، والخروج بانتخاب الرئيس. تأتي الزيارة قبيل سفر السفيرة الأميركية إلى واشنطن، فيما هناك تتكاثر المواقف المعترضة على استمرار الدعم للجيش اللبناني، واتجاهات بعض الشخصيات في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين.
سيتم التلويح بهذه العقوبات مجدداً للضغط على القوى الداخلية، طمعاً بتوفير فرص وظروف عقد الجلسة الانتخابية والوصول إلى اتفاق أو الدفع لتقديم تنازلات.
العقوبات وتبعات الفشل
ما بين التلويح الأميركي، ورمي لودريان مسؤولية التعطيل على القوى اللبنانية، سيتجدد الحديث عن مسألة العقوبات، إلا انها متعثرة داخل الخماسية، في ظل رفض جهات عديدة لمسألة إلزام أنفسهم بمهلة زمنية أو بعقوبات سيتم فرضها على مستوى الدول الخمس، لأنها لن تؤدي إلى أي نتيجة، بسبب مقاربتين. الأولى، تعتبر أنه لا يمكن فرض عقوبات على القوى السياسية كلها. والثانية، تشير إلى أن حزب الله هو الطرف الأقوى، وهو خاضع للعقوبات، ولن يؤثر عليه أي جديد في هذا الصدد.
قراءات كثيرة تتفرع عن هذه الصورة والخلاصات، أبرزها تحسّب جهات داخل اللجنة الخماسية لأي تبعات للفشل في إرساء أي مسار تسووي، وعدم القدرة على إنتاج اتفاق، لا سيما بعد مغادرة لودريان للبنان وعدم إحراز أي تقدم جدّي. وفي حال اشتد الضغط الدولي، يمكن لرئيس المجلس النيابي أن يدعو إلى جلسة انتخابية لا تتحقق فيها أي نتائج، وبعدها يتم تطيير النصاب فيضطر إلى رفع الجلسة، ويثبت للقوى الضاغطة بأن لا فرصة لانتخاب الرئيس إلا بالتوافق.
هذه الخلاصة معروفة لجهات عديدة في الداخل والخارج، بغض النظر عن الاختلاف حول تفسيرات بيان الخماسية أو الجهة التي ستتولى الدعوة إلى الحوار أو التشاور. فهذه كلها تندرج في سياق الشكليات، مع وجود قناعة بأن لا حلّ للأزمة السياسية اللبنانية القائمة إلا بتسوية خارجية، على وقع الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، تنسحب على الوضع في جنوب لبنان، ما سينتج حينها اتفاقاً شاملاً ما بين الجنوب والرئاسة. وهذه سيكون لها حسابات مختلفة عن السياقات الداخلية التفصيلية، لا سيما أن اتفاق الجنوب مناط بالثنائي الشيعي، والتفاوض سيكون معه أيضاً رئاسياً.