جملة مفارقات يمكن تسجيلها على مجريات القمة العربية التي عقدت في البحرين. أهمها نقطتان تتعلقان بالشقين الفلسطيني والسوري. فلسطينياً، اقترح البيان الختامي للقمة تشكيل قوات دولية ودخولها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، للسيطرة على الوضع أمنياً، بانتظار الوصول إلى حلّ الدولتين والاعتراف الدولي ومن قبل الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، مع دعوة إلى اعتماد الفصل السابع في سبيل ذلك، بالإضافة إلى إعادة التشديد على اعتبار السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.
قوات دولية
بالنسبة إلى اقتراح الفصل السابع، فبالتأكيد دونه عقبات كثيرة أبرزها الفيتو الأميركي، ما يحيل مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى سياق آخر، لا يتصل بالفرض إنما بالحاجة إلى مفاوضات سياسية مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الغرب ككل. لكن كل هذه المحاولات مرفوضة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وكل اليمين الإسرائيلي. أما بالنسبة إلى تشكيل قوات دولية أو أممية للدخول إلى الأراضي المحتلة، فلها قصة أخرى، أولها أنه لم يتم تسمية قطاع غزة بالإسم بل كل الأراضي المحتلة. وهذا يشتمل على غزة، وسط الدعوة إلى ضرورة الانسحاب الإسرائيلي منها، كما يشتمل على الضفة الغربية وغور الأردن.
تعود قصة هذا الاقتراح إلى فترة رئاسة باراك أوباما. في تلك الفترة، كان أوباما يعمل على مسارين، الأول محاولة الوصول إلى تفاهم بشأن القضية الفلسطينية، والثاني مسار التفاوض مع إيران للوصول إلى اتفاق نووي. طبعاً، في حينها سبق المسار الثاني المسار الأول، فتوصلت إيران وأميركا لاتفاق، فيما كل ما له علاقة بفلسطين أو بالعلاقات العربية الأميركية فشل. في حينها، كان وزير خارجية أميركا جون كيري، وهو الذي كان يتولى المفاوضات بشأن الملفين. يومها لم تكن غزة في واجهة الأحداث، بل كانت الضفة الغربية، وغور الأردن. في سياق المفاوضات العربية الأميركية تم اقتراح تشكيل قوات دولية أو نشر قوات تابعة لحلف الناتو، في غور الأردن في حال انسحاب الإسرائيليين من تلك المنطقة، خصوصاً أنه يومها كان العرب يرفعون الصوت ضد الاستيطان الإسرائيلي في غور الأردن، وإبداء الخوف من تهجير الفلسطينيين إلى الأردن بجعله وطناً بديلاً. وبناء على هذا الاقتراح، كان يفترض أن تصبح الضفة وغزة وغور الأردن هي المساحة الجغرافية التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية. في حينها كان نتنياهو هو رئيس الحكومة في إسرائيل، وقد رفض هذا المقترح بشكل كامل، وقال يومها: “لا يحمي أمن إسرائيل إلا الجيش الإسرائيلي”. عندها اقترحت السلطة الفلسطينية دخول قوات أميركية، ولكن نتنياهو أجاب بالعبارة نفسها.
حرب نتنياهو
مع شن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي يتضح أن هدفها هو التهجير، تم التقدم باقتراحات كثيرة، حول إدخال قوات عربية أو قوات دولية إلى القطاع، بعد تفكيك حركة حماس. هذا الأمر رفضته حماس بشكل كامل. ولكن أيضاً رفضه نتنياهو، الذي قدّم صيغة لإدخال قوات عربية تكون على علاقة بإسرائيل، لتبقى السيطرة الإسرائيلية الأمنية قائمة على القطاع. ويتركز اقتراح نتنياهو على بعض العشائر.
مسألة دعوة الجامعة العربية إلى اعتماد قوات دولية في غزة، يمكن لاحقاً أن تُستخدم أميركياً وإسرائيلياً، كما تم التعاطي مع “قوات الردع العربية” التي دخلت إلى لبنان، ولاحقاً انحصرت بالقوات السورية. فقد يتم الاعتماد على هذا البيان في القمة، لتشكيل قوات يقال إنها عربية أو دولية، ولاحقاً تنحصر ببعض العشائر التي تريد إسرائيل العمل معها.
فالهدف الأساسي لدى نتنياهو إلى جانب إطالة أمد الحرب والاستمرار بها، هو العودة إلى طرح فكرة التعاون مع العشائر. وبالتالي، لا تكون حماس ولا تكون السلطة الفلسطينية. وتعمل إسرائيل على تشكيل عناصر من العشائر لتولي هذا الأمر، لا سيما أن هؤلاء لن يطالبوا بدولة فلسطينية. وكان واضحاً كلام نتنياهو في أنه لا يريد لا حماس ولا السلطة أو فتح في غزة. وقد اشتبك مع وزير دفاعه يوآف غالانت حول هذا الموضوع.
وفي معرض الاشتباك بين نتنياهو وغالانت، قال الأول إن حماس قد أفشلت محاولة كانت تقوم بها إسرائيل لتشكيل قوات عربية وفلسطينية داخل غزة. وهو يقصد المجموعة التي دخلت بالتنسيق مع الإسرائيليين في قوافل المساعدات قبل فترة، لتشكيل مجموعات على الأرض في القطاع. لكن حماس كشفتهم وألقت القبض عليهم. وهنا يتضح المسار الإسرائيلي الواضح في إزكاء الصراع الفلسطيني الفلسطيني. يشير هذا المنهاج إلى أن الحرب مستمرة في عقل نتنياهو، الذي يعمل على ابتزاز الأميركيين والعرب معاً.
صمت الأسد
أما حول سوريا، فكان لافتاً عدم وجود كلمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وقد تضاربت المعلومات حول السبب. إذ أن أوساط سورية قالت إن الأسد لا يريد الكلام طالما أن المدة الزمنية الممنوحة هي ثلاث دقائق فقط. فيما أوساط أخرى اعتبرت أن ذلك بسبب خلافات عديدة مستمرة. وكي لا يعيد الأسد تكرار تجربة العام الماضي في إلقائه محاضرة بالرؤساء العرب. كما أن الأسد سيكون أمام اعتبار مراعاة موقفه عربياً، والذي يتخذه منذ بداية طوفان الأقصى، وهو تحييد نفسه. وعندها لا يمكنه الحديث في القمة العربية من دون اتخاذ موقف واضح يشير إلى دعم وحدة الساحات أو ما تقوم به إيران، فعدم الكلام هو الأفضل.
لكن اللافت أيضاً أن الأسد لم يعقد لقاءات مع رؤساء الدول التي التقاها العام الفائت، وخصوصاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني. وذلك بسبب توتر في العلاقات، باعتبار أن الأسد لم يف بالتعهدات التي تقدم بها سابقاً. ما هو لافت أيضاً، البيان الختامي والذي أعاد الحديث عن حل سياسي بناء على القرار الدولي 2254 أي مرحلة انتقالية في سوريا، وإعادة اللاجئين الطوعية والآمنة وعدم التغيير الديمغرافي في سوريا. هذا المضمون لم يكن وارداً في بيان القمة العربية السابقة التي عقدت في جدة، والذي أشار فقط إلى الترحيب بعودة سوريا والتشديد على عروبتها والعمل على تعافيها من أزمتها.
ما يجري في سوريا، غزة، والضفة لاحقاً، ولبنان حالياً على وقع المواجهات المفتوحة، أو السعي اللاحق إلى البحث عن تسوية ديبلوماسية لوضع الحدود وتثبيتها وارساء الإستقرار، بالإضافة إلى الإستعجال الأميركي لمسألة التطبيع العربي الإسرائيلي، يشير إلى محاولة لإعادة خلق نظام إقليمي جديد، لا يقوم فقط على مسألة “الجامعة العربية”، إنما على نظام إقليمي مبني على علاقات مع إسرائيل، تدمج الدول العربية في سياقه وتصبح مرتبطة به.