يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل أن تشمل سوريا وكل المنطقة. لطالما تحدث أمين عام الحزب عن تغيير وجه المنطقة بعد معركة طوفان الأقصى. ولطالما تحدث عن تغيّر كل الوقائع في سوريا. وبطبيعة الحال، فإن التغيّرين سيكون لهما انعكاسات على لبنان. فوق كل الخسائر والدمار، استبق نصرالله مجدداً كل النتائج، معلناً انتصار المحور في هذه الحرب، بما ستفرزه من وقائع على جبهة الجنوب وما سيليها من اتفاق، وعلى الداخل اللبناني. الأمر نفسه ينطبق على سوريا أيضاً. ولكن المدخل لذلك هو ملف اللاجئين السوريين.
صوت سوريا في بروكسل
على الرغم من حياد سوريا في معركة طوفان الأقصى، والذي برره نصرالله بالضغوط والحرب الكونية التي تعرضت لها، فيما آخرون يفسرونه بأنه في سياق التوازن السوري في المواقف بين العرب والغرب من جهة، وإيران من جهة أخرى.. إلا أن أمين عام حزب الله ذكر سوريا من ضمن الدول المساندة، وبوصفها في محور الممانعة. ويأتي ذلك في ظل الكثير من المحاولات العربية والخليجية لتطبيع العلاقات مع دمشق، والانتقال إلى مرحلة جديدة معها. في هذا المجال برز نصرالله وكأنه يمارس ضغوطاً على القوى الدولية، ولا سيما على الأوروبيين في سبيل إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق من ملف اللاجئين.
لا ينفصل هذا الموقف عن التحرك السوري باتجاه الخارجية اللبنانية، وإرسال رسالة احتجاج على المشاركة في مؤتمر بروكسل، الذي يشكل منصة للهجوم على سوريا. فرد لبنان برسالة أنه سيكون صوت سوريا في المؤتمر. وسيوجه دعوة إلى الدول الأوروبية لإعادة التنسيق مع الدولة السورية، بالإضافة إلى تخفيض تمثيل الوفد اللبناني بإحجام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن المشاركة في المؤتمر، وإيكال رئاسة الوفد إلى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، الذي التقى بنظيره السوري فيصل المقداد في البحرين قبيل انعقاد القمة العربية.
لا يمكن أن تنفصل المواقف اللبنانية والسورية عن بعضها البعض.
الضغط على أوروبا
في هذا الوقت، تأتي دعوة نصرالله إلى فتح البحر أمام اللاجئين وإغراق أوروبا بهم. علماً أن السياق الواقعي يشير ربما إلى أن حزب الله، وفي حال أراد إعادة اللاجئين إلى سوريا، وبنفوذه وعلاقته وتأثيره على النظام السوري، بإمكانه أن يفعل ذلك. وهو ما سيكون أسهل من خيار إغراق أوروبا باللاجئين، لدفعها إلى العودة إلى لبنان وتقديم العروض السياسية أو المالية بما يفوق مبلغ المليار يورو بكثير. لكن الأكيد ان المراد تحقيقه من ذلك هو مجموعة أهداف سياسية.
تبدأ هذه الأهداف من الانتظار الإيراني والحزب لمسار الحرب على غزة، والرهان على ممارسة ضغوط أميركية على الإسرائيليين لإيقافها، كي ينسحب وقف النار على الحدود الجنوبية للبنان، وبعدها ينفتح مسار سياسي جديد. هذا يشير إلى أن حزب الله يمارس الضغوط على الأوروبيين لاستدراجهم إلى الملعب اللبناني والسوري مجدداً، من خلال فتح مسار مباشر لإعادة التواصل والتنسيق مع دمشق، وجعل الدولة اللبنانية تتبنى موقفاً رسمياً يدعو الأوروبيين أيضاً للحديث مع النظام السوري، وتقديم المساعدات للاجئين في سوريا، في سياق إعادة تعويمه.
التطبيع مع الغرب!
تبدو هذه السياسة المعتمدة من قبل حزب الله، هي وجهة نظر مقابلة لوجهة النظر العربية. ومفادها أنه لا يمكن التأثير والفعالية على الساحة اللبنانية إلا انطلاقاً من الساحة السورية. وترتكز على التأثير والنفوذ في سوريا. موقف نصر الله التصعيدي، يهدف إلى استدعاء الأوروبيين إلى التفاوض معه ومع سوريا، وأن أي اتفاق بخصوص اللاجئين لا بد أن يحصل معه، باعتباره الطرف الأقوى. أيضاً، محاولات الحزب لفرض تطبيع الدول الغربية مع النظام السوري، يريد من خلالها القول لدمشق إن ضغوطه هي التي تدفع أوروبا لتعويمه سياسياً، وإن مدخله إلى تطبيع العلاقات مع الغرب يكون بقوة تحالفه مع إيران والحزب، وليس مع العرب.
سياسة الحزب تجاه سوريا واللاجئين لها أبعاد أخرى تتصل بمقاربة حزب الله للواقع اللبناني. فمن خلال الجبهة المفتوحة في الجنوب، دفع الأميركيين والأوروبيين إلى التفاوض معه، من أجل التهدئة في الجنوب. كذلك هو يطمح إلى إجبارهم على التفاوض معه حول ملف اللاجئين. فإذا تم كل هذا، يكرس الحزب واقعاً سياسياً يشبه تماماً الآلية التي اعتمدتها دمشق أيام وصايتها على لبنان، أي تثبيته مرجعاً وحكماً ومقرراً، ينسج التفاهمات أو حتى التحالفات مع قوى متناقضة، ويخلق تشظيات سنّية ومسيحية، يضبطها ويرسم حدودها كيفما شاء.