فَتَح باسيل “المَشكَل” على مصراعيه مع النواب الصقور داخل حزبه في توقيت مريب يُجمِع كثيرون على أنّه مرتبط برغبة باسيل بإزاحة المشاكسين، أصحاب الحيثية المناطقية والحزبية، تحت الإدارة المباشرة لميشال عون. دخل النائب إبراهيم كنعان، وفق معلومات “أساس”، على خطّ الوساطة بين رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل والنائب آلان عون المُهدَّد بالفصل النهائي من التيار.
حاول النائب كنعان أمس خلال لقائه باسيل إنجاز وساطة بهدف تفادي الشرخ الكبير في حال صدر القرار النهائي بفصل النائبين الياس بو صعب وآلان عون. المفارقة أنّ إبراهيم كنعان هو من مجموعة النواب المغضوب عليهم باسيليّاً أيضاً، إضافة إلى النائب سيمون أبي رميا. مع ذلك، يجهد كنعان لمنع “الانفجار الكبير” داخل التيار البرتقالي بعدما اتّخذ باسيل قراره، بموافقة وغطاء ميشال عون، للتخلّص من النواب الصقور بحجّة مخالفة التعليمات الحزبية.
باسيل الرافض لأيّ نوع من المساءلة والمحاسبة لأدائه داخل التيار يقترب من اتّخاذ قرارٍ سيخسّره حتماً في السياسة والنيابة وعلى المستوى الحزبي. مشكلته مع آلان عون أنّ إخراج الأخير من التيار قد يستدرج موقفاً جماعياً يشمل باقي النواب الذين يصنّفهم باسيل في خانة “غير المُسيطَر عليهم” ويرفضون لعب دور الببّغاء داخل الحزب وتمسيح الجوخ.
هل يُفصَل آلان عون؟
وفق معلومات “أساس” سيكون الأسبوع المقبل مفصليّاً لجهة أخذ القرار داخل مجلس الحكماء بحقّ آلان عون، بعدما بات بو صعب رسمياً خارج التيار. إذ إنّ نائب بعبدا استُدعي أوّل مرّة أمام “المجلس” الذي يرأسه المؤسّس ميشال عون بعد “التحقيق” الذي فتحه باسيل حيال عدم التزام بعض نواب التكتّل بالتصويت للمرشّح جهاد أزعور في آخر جلسة انتخابات رئاسية، تحديداً الياس بو صعب الذي جاهر بتصويته للمرشّح زياد بارود.
باسيل الرافض لأيّ نوع من المساءلة والمحاسبة لأدائه داخل التيار يقترب من اتّخاذ قرارٍ سيخسّره حتماً في السياسة والنيابة وعلى المستوى الحزبي
يومها رفض عون المثول أمام مجلس الحكماء، وسبق ذلك انتقاده داخل اجتماع التيار أسلوب باسيل الفوقيّ والمُهين في الكلام حين حاول “استجواب” نواب التيار بعد جلسة 14 حزيران التي شهدت تنافساً بين جهاد أزعور وسليمان فرنجية حول وجهة تصويتهم، قائلاً داخل الاجتماع: “هذه ليست طريقة مقبولة في التخاطب مع النواب”.
بقي الأمر معلّقاً إلى حين ورود الشكوى الثانية منذ نحو أسبوعين بحقّ آلان عون على خلفيّة تمايزه في بعض مواقفه الإعلامية، وتحديداً لجهة قوله في إحدى المقابلات ردّاً على سؤال إنّه “لو كان في موقع القيادة الحزبية لم يكن ليتّخذ قرارات بفصل نعيم عون وزياد أسود”، قائلاً: “هؤلاء مع آخرين لهم رمزية كبيرة وإلهم على التيار كتير. هم رفقة العمر وهؤلاء كوّنوا التيار، وبالتأكيد لو كنت رئيساً للتيار ما كنت وصّلت الأمور لهون. بالمقابل، من يفكّر أنّ التزلّف هي الطريقة التي توصل للانتماء للتيار فهو مخطئ. هذا مسار ممكن أن ينجح آنيّاً، لكن يخسّر على المدى الطويل”، متشكّكاً “في وجود ديمقراطية داخل التيار”.
المفارقة أنّ مجلس الحكماء يضمّ بين أعضائه الستّة مي خريش نائبة رئيس التيار السابقة والمبتعدة عن قيادة التيار في الآونة الأخيرة والتي لم تتوانَ عن انتقاد باسيل علناً.
التزام “على العمياني”
يقرّ كثيرون بأنّ “المشكلة الحقيقية داخل التيار ادّعاء ديمقراطية غير موجودة. قد تكون هذه مشكلة كلّ الأحزاب، لكنّ حالة ميشال عون-جبران باسيل تدرّس في السياسة لجهة الشيك على بياض الذي منحه المؤسّس للوريث الصهر على حساب وحدة الحزب والعائلة ونضالات الناشطين”.
ترافقت الخضّة داخل التيار مع تسريبات من محيطين بباسيل أوحت بأنّ قرار الفصل بحقّ آلان عون اتّخذه الرئيس ميشال عون
يضيف هؤلاء: “النواب المغضوب عليهم لم يخالفوا قرارات التيار لأنّها قرارات شخص يَجمع كلّ الصلاحيات بيده ويريد من الآخرين الالتزام “على العمياني” من دون أيّ نقاش، خصوصاً حيال العديد من القرارات التي ثبت أنّها لم تكن صائبة. هؤلاء يرفضون من الآخر تغطية سوء خيارات باسيل في السياسة. المشكلة الكبرى أنّ الرئيس عون ساهم بشكل مباشر في تغطية هذا المسار عبر دعمه المطلق لباسيل”.
تسريبات من محيط باسيل
ترافقت الخضّة داخل التيار مع تسريبات من محيطين بباسيل أوحت بأنّ قرار الفصل بحقّ آلان عون اتّخذه الرئيس ميشال عون، لكنّ باسيل أراد “منحه فرصة ثانية”، إلّا أنّ المعلومات تجزم في هذا السياق أنّ رئيس الجمهورية السابق، خال النائب عون، يغطّي بالكامل قرار باسيل الإطاحة بنائب بعبدا أحد مؤسّسي التيار الوطني الحر. وبالتأكيد أسهَمَ “مشكل” باسيل مع الياس بو صعب في تكبير مسافة التباعد بين رئيس التيار وآلان عون الذي انقطع منذ مدّة عن حضور اجتماعات التيار. كما أنّ علاقته مع باسيل مقطوعة بالكامل. فيما لا يزال إسمه ضمن مجموعة الواتساب الخاصة بأعضاء المجلس السياسي.
مصير التّحالف مع الحزب
في المشهد الحزبي العامّ يبدو جبران باسيل كمن يطلق النار على رِجليه. ثمّة مجموعة نيابية-حزبية، بعد فصل النائب زياد أسود والعديد من القياديين، إذا باتت خارج التيار فسيكون باسيل أمام أزمة سياسية-حزبية-نيابية جدّية.
فلهؤلاء النواب حيثيّتهم المناطقية والحزبية والثابتة، وإن تفاوتت بين نائب وآخر. وأزمة باسيل الداخلية ستمتدّ حتماً لتطال محور تحالفاته في الانتخابات النيابية المقبلة واحتمال خسارته مقاعد في مناطق نفوذه، فيما يجزم كثيرون أنّ “الهدايا” التي قدّمها الحزب في عدّة مناطق لباسيل في انتخابات 2022 لن تتكرّر في الانتخابات المقبلة، وقد تشكّل المحطّة الأخيرة في مسار سقوط تفاهم مار مخايل بعد الانتخابات الرئاسية، ويمثّل البقاع نموذجاً، إذ حظي فيه باسيل بثلاثة نواب بتمريرة من الحزب.
تتقاطع المعطيات إزاء ما يُحكى عن تمدّد رقعة التفاهمات بين التيار وحركة أمل عند عدم تجاوزها حتى الآن عتبة التحالف في نقابة المهندسين
تقول مصادر موثوقة في فريق 8 آذار: “لن يكون الحزب بوارد التخلّي مجدّداً عن بعض حلفائه أو تقليص قدراته كرمى لباسيل كما حصل في الانتخابات النيابية السابقة في البقاع وبيروت الثانية والشوف. كما أنّه سيكون أمام معركة حواصل قاسية ضدّ القوات اللبنانية وقوى المعارضة المسيحية، وبالتأكيد لن يتمكّن الحزب من تجاهل أزمة كهذه داخل تيار باسيل وسيتعيّن عليه أخذ قرار حيالها، خصوصاً أنّ هناك العديد من “الودائع الشيعية” على طاولة باسيل، و”الحالة العونية-الباسيليّة” زمّت كثيراً بالسلطة والنفوذ والحجم النيابي والوزاري عن السنوات الماضية”.
تضيف المصادر: “ما يحصل اليوم داخل التيار أعطى الحقّ للعديد من الكوادر التي تمرّدت منذ سنوات وخرجت بإرادتها، ولم تكن المسألة قصّة مقاعد نيابية ووزارية”.
في بعبدا: عون يربح وباسيل يخسر
في محاكاة لسيناريو الانتخابات في بعبدا مثلاً يقول مصدر مطّلع إنّ “النائب عون سيتحالف حتماً مع الثنائي الشيعي بغضّ النظر عن وضعيّته الحزبية، فلعون حيثية تمهّد الطريق لأن يكون في المركب نفسه مع ثنائي أمل والحزب. هنا يخسر باسيل مقعداً ويحافظ آلان عون على مقعده”.
من جهة أخرى، تتقاطع المعطيات إزاء ما يُحكى عن تمدّد رقعة التفاهمات بين التيار وحركة أمل عند عدم تجاوزها حتى الآن عتبة التحالف في نقابة المهندسين.
.. وفي المتن
في منطقة المتن الحسابات والتحالفات مغايرة. لكنّ خسارة باسيل لأحد المقعدين (الماروني-إبراهيم كنعان أو الأرثوذكسي-الياس بو صعب) أمر محسوم. هنا يُصبِح تقاربه مفهوماً مع الياس المر بخطاب “حزبلاويّ” بعد قرار الاستغناء عن خدمات الصندوق.
يسعى الياس إلى مقعد وزاري ضمن حكومة في عهد سليمان فرنجية ويجاهر بطلبه من الثنائي الشيعي التعاطي مع نجله ميشال المر “جونيور” كـ “وديعة وحمايته”، فيما لا يجد باسيل في المتن سوى “عمارة شلهوب” لدخولها بعدما شكّلت إمبراطورية ميشال المر منذ عام 2005 منصّة أساسية لميشال عون وباسيل لشدّ العصب العوني من خلال الهجوم على بيوتات الخدمات ومحاربة نفوذها، وصولاً إلى محاولة قصقصة جوانح رئيسة اتحاد بلديات المتن السابقة ميرنا المر.