الإفشال المتعمد الذي يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لكل مسارات التفاوض حول الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، يشير بشكل واضح إلى طريقة تفكير الرجل، الذي لا يريد الاستثمار بغير الحرب وإطالة أمدها.
في خلال انعقاد جلسات التفاوض في القاهرة، كشف الإعلام الإسرائيلي أن نتنياهو تحدث لوسائل إعلام بصفة “مصدر كبير” عن إصرار إسرائيل على استكمال عمليتها العسكرية في رفح، بمعزل عن الوصول إلى اتفاق. هو موقف هدفه استفزاز حركة حماس، التي تتشدد في شروطها على تحصيل ضمانات بأن الهدنة وإطلاق سراح الرهائن سيؤسس إلى وقف دائم لإطلاق النار، وعدم عودة إسرائيل إلى مواصلة القتال.
أجندة نتنياهو
أن يصل الإعلام الإسرائيلي إلى كشف هوية نتنياهو كمعني بالتسريب، يشير إلى حجم المشاكل داخل اسرائيل، والصراع على التسريبات. إذ جاء الردّ من قبل وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، نقلاً عن مسؤولين عسكريين هذه المرة، وهم يشيرون إلى أن الحرب أصبحت شبه منتهية، وأنه لا بد من إبرام صفقة، لأن الأولوية هي لإطلاق سراح الرهائن. هذا التضارب في التسريبات يشير إلى حجم التباعد في وجهات النظر بين رئيس الحكومة والمسؤولين العسكريين. ترافق ذلك مع تسريبات نقلاً عن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بأنه دعا رئيس الحكومة خلال اجتماع حكومة الحرب إلى الموافقة على الصفقة المقدمة في المقترح المصري. ذلك لا ينفصل عن اتهامات متبادلة بين الجانبين، حول من يتحمل مسؤولية الإخفاقات. وكل ذلك محاولات استباقية لمرحلة ما بعد الحرب، والدخول إلى حقبة المحاكمات والتحقيقات والمحاسبة، والتي بالتأكيد لا يريد نتنياهو أن يصل إليها.
أصبح واضحاً، أن وقف الحرب ليس على أجندة نتنياهو. وهو ما يؤسس إلى مزيد من الخلافات داخل اسرائيل، كما يسهم في زيادة ورفع منسوب التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً مع إدارة جو بايدن، لا سيما أن الأخير يركز على ضرورة إنجاز الصفقة، التي يريد من خلالها إطلاق سراح الرهائن الأميركيين السبعة لدى حركة حماس. هذا نوع من الكباش بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، الذي لا يرى أمامه إلا استمرار الحرب بغض النظر عن كل المساعي الدولية والإقليمية، ولذلك هو يستعيد استحضار “المحرقة” كتحفيز لليهود على تأييده في مواصلة القتال.
الخوف على لبنان
بلغ نتنياهو مرحلة متقدمة من التهور، خصوصاً أن جانباً من قراراته يتخذه بناء على انطباعاته وانفعالاته الشخصية، والتفكير في مستقبله الخاص. ومن غير المعروف مدى قدرة الضغط الأميركي على التأثير في منعه من مواصلة الحرب، أو في تشكيل ائتلاف يسمح بإسقاط حكومته والذهاب إلى انتخابات مبكرة، أو تشكيل ائتلاف يوفر له مظلة تبعده عن الحاجة إلى نماذج بن غفير، وسموتريتش، وتؤمن له استمرارية سياسية في رئاسة الحكومة حالياً، مع توفير ظروف وقف إطلاق النار. دون ذلك، فإن الرجل سيستمر في جنونه القابل لإشعال المنطقة ككل، خصوصاً عندما عاد وتحدث عن مواجهة إيران، أو المواجهة على مختلف الجبهات.
في حال نجح نتنياهو بالإطاحة بكل المساعي الدولية والإقليمية لوقف لإطلاق النار، واستمر بالحرب، واضعاً العالم كله تحت الأمر الواقع، فحينها لا بد من إعلان الخوف أكثر على لبنان. ولا بد من استشراف مرحلة مقبلة من المراوغة الإسرائيلية، في أي مفاوضات متصلة بالوضع على الجبهة اللبنانية. فإذا أجهض نتنياهو كل محاولات وقف الحرب على غزة، فسيكون مستعداً لإجهاض كل محاولات وقف التصعيد العسكري مع لبنان، أو ترتيب اتفاق ديبلوماسي أو سياسي. علماً أن الإعلام الإسرائيلي يسرب عن مسؤولين عن أنه لا خيار بديل عن معركة عسكرية كبرى تعيد تشكيل الموازين العسكرية على الحدود مع لبنان.
أمثولة 1982
في كتابه عن تاريخ العلاقات اللبنانية الأميركية، يروي السفير الأميركي السابق في لبنان، ديفيد هيل، عن اجتياح إسرائيل للبنان في العام 1982. ويقول إنه في حينها لم تكن الولايات المتحدة الأميركية مؤيدة لخيار الاجتياح والوصول إلى بيروت. فالعملية العسكرية الإسرائيلية التي أعلن عنها شارون كانت تفترض الوصول إلى خط الأولي (شمال صيدا)، لكنه وضع العالم تحت الأمر الواقع بالوصول إلى بيروت وسط معارضة أميركية.
في حال فشل محاولات الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فلا بد من التحسب أكثر في لبنان لمزيد من احتمالات التصعيد الإسرائيلي والتورط في حرب أو أيام قتالية مع حزب الله، وعندها لا بد من الأخذ في الاعتبار كلام نتنياهو عن الاستعداد للقتال على جبهات متعددة، ولو كان وحيداً، وكلام وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني إلى تل أبيب، إذ قال إن اسرائيل ستشن عملية عسكرية على جنوب لبنان، وستعمل على احتلال أجزاء واسعة منه في حال لم ينسحب حزب الله.