تسابق الضغوط من أجل إحياء مفاوضات الهدنة في غزة قرار الحكومة الإسرائيلية اقتحام رفح. يترافق ذلك مع رصد جدّية الليونة التي أبدتها قيادة “حماس” الداخل حيال الحلول السياسية، وتكرار قبولها بقيام دولة فلسطينية.
يرفد هذا السباق دخول الصين على خطّ المساعي لتحقيق المصالحة الفلسطينية بهدف مواكبة إمكان وقف الحرب على القطاع.
هل تساهم حاجة الرئيس جو بايدن الانتخابية إلى إنجازٍ ما في غزة، في تجنيب رفح كأس الاقتحام الإسرائيلي؟ فمنطلق اهتمام الرئيس الأميركي بتحقيق الهدنة في القطاع هو الإفراج عن ستّة أميركيين هم بين الرهائن لدى “حماس”.
الرهائن والتحرّكات الطلّابية والانتخابات
تسهم الهدنة، إذا نجحت، في تهدئة التحرّكات الطلّابية الاحتجاجية في الجامعات الأميركية المرموقة ضدّ إسرائيل وحربها على غزة. فهذه تذكّر، إذا ازداد قمعها، بالتظاهرات الطلابية التي تمدّدت في أميركا عام 1968 ضدّ حرب فيتنام. وهو ما أشارت إليه صحيفتا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” أول من أمس. لهذا الاحتمال تأثير انتخابي إضافي سلبي على بايدن. ومع أنّها لم ترقَ بعد إلى كثافة تظاهرات ستّينيات القرن الماضي، فإنّ الأخيرة ساهمت في دفع ريتشارد نيكسون لوقف الحرب.
في الساعات الماضية اختلطت وقائع القصف الإسرئيلي المبرمج والهادف لجنوب غزة مع الأنباء عن إحياء مصر مفاوضات الهدنة المتعثّرة. فقطر قرّرت إعادة تقويم وساطتها بسبب الحملة في الكونغرس الأميركي عليها بدفع من اللوبي الصهيوني. والبيت الأبيض لم يتوقّف عن التأكيد أنّ جهود الهدنة وتحرير الرهائن متواصلة، بعدما أكّد الحاجة إلى دور الدوحة.
في الساعات الماضية اختلطت وقائع القصف الإسرئيلي المبرمج والهادف لجنوب غزة مع الأنباء عن إحياء مصر مفاوضات الهدنة المتعثّرة
مؤشّرات إلى جدّية استئناف المفاوضات؟
قطعت القاهرة أخبار تكثيف إسرائيل قصفها رفح تحضيراً لاجتياحها، بتسريب مصدرين في مصر عن ضرورة تجميد العملية مقابل تجديد المفاوضات. تزامن ذلك مع تمهيدات، منها تزايد الضغوط على “حماس” لدفعها إلى مزيد من المرونة، وعلى إسرائيل لتأجيل اجتياح رفح، وأهمّها:
– صدور بيان عن الولايات المتحدة و17 دولة غربية أخرى يطالب “حماس” بالإفراج عن جميع الرهائن لديها وتبادل الأسرى. وهذا يجبر بنيامين نتنياهو على انتظار مسعى هذه الدول الحليفة، قبل إعطاء الضوء الأخضر للجيش أن يبدأ العملية. فالبيان يتحدّث عن “وقف فوري ومطوّل” للنار، وعن “عودة أهالي غزة لديارهم”.
– عرض رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إخلاء سبيل كلّ المحتجزين لدى “حماس” ووقف النار لمدّة سنة. واستأنف الجانب المصري اتصالاته مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، وزار وفد منه إسرائيل أمس.
– سبق تنشيط القاهرة تحرّكها ما تسرّب عن جهود تركية مع “حماس” بناءً على طلب أميركي، من أجل دفعها إلى مزيد من التنازلات. وجرى بحث الأمر خلال زيارة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية وخالد مشعل تركيا قبل أسبوع.
– إعلان نائب رئيس “حماس” في الداخل خليل الحية عن الاستعداد لهدنة تستمرّ خمس سنوات وربط تسليم الرهائن بإنهاء الحرب. تعاطت أوساط فلسطينية بجدّية مع تصريح الحية على الرغم من تكراره مواقف سبق لقياديين من “حماس” أن أعلنوها. فهو مقرّب من رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة يحيى السنوار. وقد جدّد الاستعداد للقبول بدولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة كاملة على حدود 1967، وللتحوّل إلى حزب سياسي في هذه الحال. وقال إنّ الاحتلال دمّر أقلّ من 20 في المئة من قدرات الحركة العسكرية. وذكّر بالتنازلات التي قدّمتها الحركة بعدد الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بالإفراج عنهم.
– إعلان البنتاغون الخميس عن بدء الجيش الأميركي بناء الرصيف البحري العائم على شاطئ غزة لنقل المساعدات الإنسانية للقطاع. مع أنّ القوات الإسرائيلية ستتولّى حمايته تفادياً لنزول قوات أميركية على الأرض، فإنّ تشغيل الرصيف يتطلّب استقراراً أمنيّاً.
تسهم الهدنة، إذا نجحت، في تهدئة التحرّكات الطلّابية الاحتجاجية في الجامعات الأميركية المرموقة ضدّ إسرائيل وحربها على غزة
انكفاء المواجهة الإيرانيّة الإسرائيليّة وفصل الساحات؟
في قراءتها لهذه المؤشّرات وغيرها، تدعو أوساط فلسطينية مواكبة لجهود وقف الحرب إلى التمعّن في خلفيّات نجاحها أو فشلها، مشيرة إلى الآتي:
1- حديث تجديد الهدنة جاء بعدما انتهت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية بين الأوّل من الشهر الجاري و19 منه، بقرار أميركي إسرائيلي إيراني. فالدول الثلاث لا تريد استمرارها.
2- طهران اعتمدت سياسة الانكفاء في سوريا، مقابل الإصرار الإسرائيلي على مواصلة توجيه الضربات لوجودها فيها. ونفّذت ما يشبه إعادة التموضع في بلاد الشام.
3- تعزيز الوجود العسكري الأميركي في سوريا يأتي في إطار توجّه أميركي إسرائيلي لاستهداف أذرع طهران تجنّباً للحرب. وهذا يشمل تصعيد القصف الإسرائيلي لمواقع الحزب في لبنان، والتشدّد في مواجهة الميليشيات العراقية الموالية لطهران. كما يشمل الردّ بقوّة على الهجمات الحوثية ضدّ السفن الأميركية الحربية والإسرائيلية التجارية. وتأخذ مواجهة الأذرع وفق تلك القراءة منحىً تصاعدياً وليس تراجعياً. إلا أنّها تتمّ وفق التزام إسرائيل المستوى المدروس الذي يحدّده الجانب الأميركي بدقّة. فهدف واشنطن حسب هذه الأوساط فصل الساحات مقابل مبدأ إيران بوحدة الساحات. مع تجنّبها الحرب المباشرة مع إسرائيل تترك طهران لبعض الأذرع أن تواصل تهديد أمن إسرائيل وأمن الملاحة البحرية في باب المندب.
4- واشنطن تعتبر أنّ “حماس” لم تقدّم ما يكفي من تنازلات لها ولإسرائيل وقطر ومصر.
5- الإشراف الأميركي المباشر على أيّ عملية في رفح، بوجود ضبّاط أميركيين في غرفة العمليات الإسرائيلية، أفضى لهدف مزدوج: التمهيد لاجتياح رفح، أو الضغط على “حماس” كي تقبل بالهدنة والإفراج عن الرهائن.
الاعتراف بالدّولة يتطلّب تفاهمات مسبقة
في اعتقاد أصحاب هذه القراءة أنّ واشنطن تعتبر أنّ هذا الأسلوب يعطي فرصة لإنجاح هدنة تقود إلى تفاهمات حول ما بعد الحرب. فإدارة بايدن مارست الفيتو في مجلس الأمن ردّاً على طلب فلسطين الاعتراف بها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بانتظار تفاهمات متشعّبة. وهذه تشمل تفاوضها مع الدول العربية الرئيسة وإسرائيل وترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي. وهذا يأخذ وقتاً وتحوّلاً في وضعية “حماس”.
الرياض ستشهد في اليومين المقبلين اجتماع اللجنة السداسية العربية لمناقشة ما آل إليه الموقف الأميركي بعد الفيتو في مجلس الأمن
تتساءل الأوساط الفلسطينية المتابعة لمسار إنهاء الحرب عمّا إذا كانت التطوّرات دفعت “حماس” إلى مراجعة الموقف. وتترقّب إذا كانت تصريحات خليل الحية الأخيرة تمهّد لجديد في مقاربة الحركة لإمكان التأقلم مع إنهاء الحرب. فإعلانها قبول قيام دولة على حدود 67 والاستعداد للدخول في حكومة توافق وطني لم يكن المرّة الأولى.
إطلب المصالحة ولو في الصين؟
تدعو هذه الأوساط إلى ترقّب الآتي:
– النتائج العملية للّقاء الذي ترعاه بكين بدءاً من الأمس بين أمين سرّ حركة فتح عزّام الأحمد وعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق. فالرجلان سبق أن اجتمعا مراراً لتكريس المصالحة، لكنّ الخلاف استمرّ. فهل تنجح بكين حيث أخفقت موسكو والقاهرة والجزائر والرياض والدوحة وبيروت وجنوب إفريقيا…؟ ولدور الصين دلالة في خضمّ الحرب القائمة. إذ سبق لها أن دعت إلى مؤتمر دولي من أجل حلّ القضية الفلسطينية.
– الرياض ستشهد في اليومين المقبلين اجتماع اللجنة السداسية العربية التي تضمّ وزراء خارجية السعودية، مصر، الأردن، الإمارات، قطر وأمين سرّ منظمة التحرير الفلسطينية، لمناقشة ما آل إليه الموقف الأميركي بعد الفيتو في مجلس الأمن. فموقف واشنطن أغضب الرئيس محمود عباس إلى درجة أنّه دعا إلى إعادة النظر في علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالولايات المتحدة. كما أنّ اللجنة ستجتمع إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يزور السعودية.