في موازاة لغة الحرب والتصعيد التي يركز عليها الإسرائيليون، تخرج لغة مختلفة هدفها الدعوة إلى حلول سياسية أو تسوية كبرى على مستوى المنطقة. وكان آخرها ما جاء على لسان القيادي في حركة حماس، خليل الحيّة، حول الاستعداد للانخراط في منظمة التحرير الفلسطينية، بشرط إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، أي العودة لمبدأ حل الدولتين، والاستعداد لحل الجناح العسكري.
ليس تفصيلاً أن يخرج هذا الموقف على لسان أحد أبرز قيادات حركة حماس، بما يحتويه من إحراج للإسرائيليين، الذين يهدفون إلى مواصلة العمل العسكرية واتباع سياسة التجزير والتهجير.
القضية أولاً
منذ اللحظة الأولى لعملية طوفان الأقصى، كان الهدف لدى المقاومة الفلسطينية هو إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعادة طرحها على الطاولة، في ظل المساعي المبذولة على المستوى الإقليمي لإبرام اتفاقات سياسية كبرى.
نجحت العملية في إعادة وضع القضية الفلسطينية على سلّم أولويات المجتمع الدولي، والذي أوصل الأميركيين إلى الإعلان الصريح عن الاستعداد للموافقة على إنشاء دولة فلسطينية. وهذا ما يتسبب بالكثير من الخلافات الأميركية الإسرائيلية.
في المقابل، حاول الإسرائيليون تحشيد الرأي العام العالمي إلى جانبهم، مدعمّين بجنون اليمين في الداخل، لشن حرب واسعة، ولو اقتضى الأمر تحويلها إلى حرب شاملة بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
لم ينجح الإسرائيليون في ذلك، فغالبية المواقف الدولية والأميركية والأوروبية بالإضافة إلى المواقف العربية، تركز على ضرورة إقرار حل الدولتين، على اعتبار أن حل القضية الفلسطينية هو المدخل الأساسي لحل غالبية الأزمات والمشاكل في المنطقة، ولا يمكن الوصول إلى إرساء الاستقرار من دون حل عادل للفلسطينيين. في هذا السياق، أصبحت كل تطورات المنطقة تعيش على الإيقاع الفلسطيني. أما إسرائيلياً، فالهدف هو إطالة أمد الحرب وتوسيعها لجعل فلسطين قضية ثانوية ولتحقيق أكبر عملية تهجير.
لبنان أيضاً
بناء على طرح حركة حماس الأخير، وهو تأييد حل الدولتين، وفي مقابل سعي غالبية الدول إلى وقف التصعيد ومنع تمدد الحرب والمواجهة الإقليمية، وبحال الوصول إلى وقف لإطلاق النار.. فإن ذلك سيسري على لبنان أيضاً، خصوصاً أن حزب الله يربط المواجهة مع إسرائيل بمسار الحرب على غزة، ويؤكد أنه مستعد لوقف النار والعودة إلى الاتفاقات وفق المقترحات الدولية، ولا سيما الأميركية، لتطبيق القرار 1701 بعد وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع. يعني ذلك أن لبنان وضع المؤشرات اللازمة لسلوك طريق التهدئة والتسويات.
في هذا السياق، هناك من يخرج ليعلق على كل الطروحات المقدمة، بأنه لا بد من تطبيق القرار 1701 على مستوى المنطقة، ليس فقط في جنوب لبنان، بل في غزة، وفي سوريا، مع ضمان إنشاء دولة فلسطينية، لا سيما أن الاشتباك الإيراني الإسرائيلي يهدف إلى ربط النزاع وليس إلى المواجهة وتصاعد وتيرتها.
يأتي هذا الطرح في ظل عدم رغبة أي طرف في المنطقة بتوسيع الصراع أو الحرب، لا سيما في ظل موقف الدول العربية، واجتماع القمة الإسلامية الذي عقد في السعودية قبل أشهر، وخرجت مقرراته بنتائج واقعية لجهة حل الدولتين وفق المبادرة العربية، وبمن دون رفضها من قبل أي طرف بما فيهم إيران.
مسار إقليمي دولي
في لبنان، هناك مواكبة لمسار الحرب على غزة. فباستمرارها، جبهة الجنوب مستمرة. أما في لحظة وقف النار، فإن ما أبلغه حزب الله لجميع المعنيين هو العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول، فيما تبقى المشكلة لدى الإسرائيليين الذين يوصلون رسائل بأنهم لن يقبلوا بذلك من دون اتفاق شامل وواضح، ووقف النشاط العسكري للحزب في الجنوب، ووقف تعزيز نفسه تسليحياً. هنا يبرز مقترح المبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين، الذي ينص على تطبيق القرار 1701 على مراحل، تبدأ بوقف النار، وإعادة السكان على الجانبين. وبعدها، إنهاء المظاهر المسلحة والأنشطة العسكرية، مقابل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتعزيز قوات اليونيفيل. والمرحلة الثالثة هي مرحلة الانتهاء من عملية تثبيت الحدود البرية.
لا بد لذلك أن يترافق مع مسار إقليمي دولي يرعى مثل هذه الاتفاقيات. من هنا تولد في لبنان مسألة التمسك باتفاق الهدنة. لأن هناك قناعة بأن أي تسوية من هذا النوع ستؤدي إلى إنتاج علاقات عربية مع إسرائيل، لبنان ليس بواردها. ولكن البديل عن إبقاء ربط النزاع أو وقف العمليات العسكرية محصوراً بالقرار 1701، ليعود الحديث عن تطبيق الهدنة التي أقرت عام 1949، والتي يفترض بها أن تعيد لبنان إلى ما قبل اتفاقية العام 1969.