استدعت التطورات العسكرية التي شهدها الجنوب اللبناني في الأيام الأخيرة، إعادة تجديد الاتصالات بين المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين والمسؤولين اللبنانيين، الذين يتابع معهم ملف التهدئة في الجنوب، والتحضير لمرحلة جديدة مبنية على اتفاق ديبلوماسي.
معلوم أن التواصل المباشر بين هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه برّي لا ينقطع، وكذلك التواصل قائم مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب. وكان مقرراً لدى هوكشتاين أن لا يتحرك قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، بما أنه تبلغ بموقف حزب الله أن لا وقف لجبهة المساندة طالما الحرب على غزة مستمرة.
الانتظار الأميركي والاستعجال الفرنسي
إلا أن التطورات العسكرية المتصاعدة، دفعت إلى تكثيف الاتصالات في الأيام القليلة الماضية، بحثاً عن إعادة تخفيف التصعيد. ومن هنا، برزت المعلومات التي تتحدث عن تفكير هوكشتاين بإجراء زيارة جديدة إلى المنطقة، ومن ضمنها لبنان. هدفها منع استمرار التصعيد، أو على الأقل إعادة العمل وفق قواعد الاشتباك. هذا الكلام يذكّر بزيارة سابقة أجراها المبعوث الأميركي إلى لبنان، داعياً فيها إلى حصر المواجهات بمسافة 5 كلم لا أكثر. لكن في الفترة الأخيرة اتسعت رقعة الاشتباك إلى حدود بعيدة.
طبعاً، المسار الأميركي الموافق على انتظار انتهاء الحرب على غزة، لاقاه اعتراض فرنسي واضح. إذ كثّف الفرنسيون من رسائلهم إلى اللبنانيين بضرورة معالجة الموضوع سريعاً، وعدم انتظار حرب غزة، لأن اللعبة الديبلوماسية قد لا تنجح في حال طالت المواجهات، ولأن الإسرائيليين قد يلجؤون إلى تصعيد مسار عملياتهم العسكرية وتوسيعها، لتصل إلى حافة الحرب أو “الأيام القتالية”.
لكن لبنان بقي على موقفه، انطلاقاً من موقف حزب الله والرئيس نبيه برّي. ولا يزال الفرنسيون يتخوفون من تدهور الأوضاع. وفي هذا السياق، جاءت زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى واشنطن، ولقائه بالمبعوث آموس هوكشتاين، في إطار السعي المشترك لمنع التصعيد.
بناء على هذه الزيارة، أجرى الفرنسيون تعديلاً على مبادرتهم، وسحبوا منها عبارات “انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني”. وقد غدت المبادرة الفرنسية متوافقة مع المبادرة الأميركية، التي تدرج مسألة تطبيق القرار 1701 على ثلاث مراحل.
كبح إيقاع المواجهات
المساعي الديبلوماسية لا تبدو أنها تمكنت من ضبط إيقاع المواجهات. ولذلك عاد الحديث عن احتمال إجراء هوكشتاين زيارته. وهدفها في حال حصلت، تخفيض منسوب المواجهة بدلاً من اتساعها، خصوصاً بعدما عمل الإسرائيليون على تجاوز قواعد الاشتباك، وكثفوا من ضرباتهم في العمق اللبناني، في مقابل إسقاط حزب الله لأكثر من طائرة مسيّرة بصواريخ أرض جو. وهو بذلك أوضح أنه قادر على نقل المواجهات إلى مرحلة جديدة.
وحسب المعلومات، فإن الحزب أوصل رسائل، واتخذ إجراءات تشير إلى انتقاله لمرحلة جديدة من المواجهات، في حال تواصل التصعيد الإسرائيلي.
وحسب المعلومات أيضاً، فإن الحزب لا يزال يحتفظ بمفاجآت كثيرة يحضرها للإسرائيليين، في حال عملوا على توسيع نطاق عملياتهم.
إنها جولة جديدة من السباق بين المساعي الديبلوماسية لاحتواء التصعيد، وبين اتساع رقعة المواجهات، على وقع زيادة التهديدات الإسرائيلية بالاقتراب من “ساعة الحسم في الجبهة الشمالية”، واحتمال اتخاذ قرار بتصعيد المواجهة العسكرية. هذا ما لا تريده أميركا ولا هوكشتاين بالتحديد، الذي سيسعى إلى تخفيف حدة المواجهات، وإعادة الحديث عن المحفزات التنموية والاقتصادية، وسبل توفير المساعدات لإعادة الإعمار ولاستثمار لبنان في مجال النفط والغاز. وهي ما يعتبرها هوكشتاين البوابة الأساسية لتكريس الاستقرار.