إحدى النتائج الملفتة للمحادثات اللبنانية الفرنسية في باريس يوم الجمعة الماضي، تأكيد البيان الثلاثي الصادر عن قادة جيوش فرنسا وإيطاليا ولبنان، إيكال مهمة «حماية المدنيين» في جنوب لبنان إلى «التعاون الوثيق» بين قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني «السيّد على كل أراضيه» و»الضامن للإستقرار الوطني».
على رمزية العبارة المتعلقة بدور الجيش في بيان مقتضب، يؤكد مواصلة إيطاليا وفرنسا دعم القوّات المسلّحة اللبنانية، فإنها تؤشر إلى المراهنة على دور المؤسسة العسكرية الرئيس في أي خطوات يجري التحضير لتطبيقها لخفض التصعيد في الجنوب، في سياق خطة لتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701. المعروف أن هناك حاجة لتطويع أكثر من ستة آلاف عسكري من أجل ضمان قدرة الجيش على الإنتشار من مجرى نهر الليطاني حتى الحدود الجنوبية إلى جانب قوات «اليونيفيل».
أسئلة كثيرة تُطرح في هذا الصدد. أوّلها هل سيؤدي هذا الإهتمام بالجيش إلى تأمين مبلغ المئة دولار شهريّاً لكلّ عسكري من أجل دعم الوضع المعيشي الذي سبق للولايات المتحدة ثم قطر أن تولتاه خلال الأشهر الماضية؟ الافتراض هو أن هذا المبلغ الذي يناهز الـ120 مليون دولار لمدة سنة، سيُقتطع جزء منه، (ربما نصفه) من المساعدة التي قرّرها الإتحاد الأوروبي للبنان، بقيمة مليار دولار تحت عنوان دعم استضافته النازحين السوريين. أمّا ما يحتاجه الجيش من معدات ووسائل نقل لتعزيز انتشاره جنوباً، فإنّ الخطّة التي تقدّم بها العماد عون وعرضها على الجانبين الإيطالي والفرنسي، حظيت بارتياح فرنسي.
تدرك باريس أنّ وقف الحرب في الجنوب يتطلب موافقة «حزب الله»، لكنها رأت أن البحث بالأمر لا بدّ من أن يحصل مع الجهة الرسمية الشرعية المسؤولة عن البلد، ممثلةً برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون. الأوّل لأنّه المسؤول الرّسمي والناطق باسم الدولة، والثاني لأنّه المعني بتنفيذ لبنان الشقّ الميداني المتعلّق به في القرار الدولي، مع ما يتطلبه من التجاوب مع احتياجات الجيش كي يقوم بالمهمة. فباريس تتواصل في شكل دوري مع «الحزب»، ولم تحصل منه على موافقة على وقف الحرب الدائرة في الجنوب، لأنّ شرطه وقف العدوان الإسرائيلي على غزة قبل البحث بالمطلوب على جبهة لبنان. السؤال الثاني حول حظوظ نجاح التحرّك الفرنسي يتعلّق بمدى استعداد «حزب الله» للتجاوب.
الجانب الفرنسي ينتظر أجوبة حول الورقة الفرنسية التي قدّمها وزير الخارجية الفرنسي سيباستيان سيجورنيه إلى لبنان مطلع شباط الماضي من ميقاتي، لأنه المعني بالحصول على موافقة واضحة من «الحزب» حول النقطة المتعلّقة بسحب الأخير أسلحته وميليشياه من الحدود الجنوبية إلى شمال خط الليطاني، حسبما ينصّ عليه القرار الدولي، مقابل وقف إسرائيل خرقها للأجواء اللبنانية… فهذه المعادلة هي الأساس في وقف القتال. هناك مراهنة على أن يعيد ميقاتي صياغة بعض بنود الورقة الفرنسية بالإستغناء عن حديث «انسحاب» الحزب إلى شمال الليطاني عبر النص على «إعادة تموضع» للجيش و»اليونيفيل» والمقاومة، وحتّى الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود… فالتعابير لها دلالاتها وحساسيتها.
يمهّد ذلك للمعالجات الأخرى المتعلقة بالحدود والترتيبات الأمنية سواء التي ينص عليها اتفاق الهدنة بين البلدين الموقعة عام 1949، أو باقي بنود الـ1701. وهذه المعالجات سبق للوسيط الأميركي المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين أن توصّل إلى توافق حول جزء مهم منها في لقائه الأخير مع رئيس البرلمان نبيه برّي مطلع الشهر الماضي. فدور الأخير الجوهري في التفاوض كونه يتولّى التنسيق مع «الحزب»، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإتصال ببرّي عقب اجتماعه مع ميقاتي وقائد الجيش.
السؤال الثالث المهم تناول الإستعداد الأميركي لمشاركة فرنسا جهودها، بعدما تصرّف هوكشتاين من دون التنسيق معها حول لبنان. فماكرون حصل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مطلع الشهر الجاري، على وعد بتنسيق هذه الجهود جرت ترجمتها في زيارة موفده جان إيف لودريان إلى واشنطن ولقائه هوكشتاين. الأمر الذي سمح للأوسط الفرنسية أن تسرب معلومات عقب اجتماعات ماكرون مع الجانب اللبناني بأن الأفكار التي طرحها حول الجنوب تحظى بموافقة أميركية، وأن هناك قراراً مشتركاً بين باريس وواشنطن بتوحيد الجهود حيال إنهاء الفراغ الرئاسي في إطار اللجنة الخماسية. سبق ذلك التأييد الأميركي لاشتراك إيطاليا في خطوات دعم الجيش.
قد يساعد توافق باريس وواشنطن على إبعاد احتمال تحويل تل أبيب المواجهة المضبوطة بينها وبين طهران نحو جبهة الجنوب. لكن استمرار جبهة غزة مفتوحة، يجعل جواب «حزب الله» معلّقاً.