الرئيسيةمقالات سياسيةلبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

Published on

spot_img

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني تحوّلاً استراتيجياً في المنطقة، لا سيما أنّها المرّة الأولى التي تكون فيها إيران في مواجهة إسرائيل بشكل مباشر ليس عبر حلفاء أو وكلاء. كان يمكن لهذا الردّ أن يؤدّي إلى إشعال المنطقة لولا الضوابط الأميركية التي التزم بها الجميع.

المسار العسكري الذي سلكته إيران جاء بعد جولات تفاوضية غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية. كانت طهران تطرح في مفاوضاتها الحصول على مكاسب سياسية في مقابل تجنّب الردّ، وقد طرحت:

1 – الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

2 – إدانة في مجلس الأمن الدولي للضربة الإسرائيلية على القنصلية.

3 – تجديد التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية حول الملفّ النووي.

4 – البدء بإجراءات رفع العقوبات وتسهيل حصول إيران على مبالغ ماليّة مجمّدة.

تنسيق إيراني خليجي

لم توافق الولايات المتحدة على كلّ هذه الشروط، فأصرّت طهران على التصعيد، لكن بدون قطع شعرة التواصل مع الأميركيين، من خلال إبلاغهم بالضربة ومضمونها وبأنّها لا تسعى إلى إشعال حرب في المنطقة، إنّما استعادة توازن الردع مع الإسرائيليين. لم تكتفِ طهران بإيصال رسائل للأميركيين، بل انخرطت في اتصالات مفتوحة مع دول غربية وعربية. لكنّ البارز هذه المرّة كان حجم التنسيق والتواصل مع دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر. إذ لم تتّخذ هذه الدول موقفاً، وعملت على تحييد نفسها عن الصراع، وذلك ينسجم مع سياسة تصفير المشاكل ومع التقارب السعودي الإيراني الحاصل منذ اتفاق بكين.

عاشت المنطقة على انتظار الردّ الإيراني. تنتقل حالة الانتظار إلى الضفة الإسرائيلية بانتظار آليّة الردّ الإسرائيلي على طهران

حاولت الدول العربية العمل في سبيل الوصول إلى تجنّب الردّ الإيراني وتجنّب التصعيد بإرساء اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكنّ ذلك لم يتحقّق، علماً أنّ الهدف الاستراتيجي العربي، والخليجي بالتحديد، هو منع تفاقم المواجهة وتطوّرها إلى حرب إقليمية. وحده الأردن وجد نفسه في قلب المعركة، لأنّ المسيّرات والصواريخ الإيرانية عبرت في أجوائه. وهو كان قد أعلن استعداده للتصدّي لها لأنّها خرق للسيادة. وجد الأردن نفسه في وضع حرج جداً بنتيجة ما حصل. فهو مضطرّ إلى الدفاع عن سيادته وإسقاط المسيّرات والصواريخ، لكنّه في المقابل يعيش أزمة مع شارعه الفلسطيني والناس، وهو ما تسعى إيران إلى تغذيته من ضمن طموح قديم جديد لتسجيل اختراق على غرار دول أخرى مثل سوريا، العراق ولبنان.

عاشت المنطقة على انتظار الردّ الإيراني. تنتقل حالة الانتظار إلى الضفة الإسرائيلية بانتظار آليّة الردّ الإسرائيلي على طهران، خصوصاً أنّ إسرائيل عاشت أياماً عصيبة واحتاجت إلى دعم دولي كبير وهائل للدفاع عن نفسها، وكأنّ الأميركيين أرادوا القول لنتنياهو إنّه لولا موقفهم الدفاعي لكانت إيران ألحقت أذى كبيراً بإسرائيل. يراد لهذا الكلام إظهار حجم الحاجة الإسرائيلية إلى الأميركيين. وهو ما يفسّره الإيرانيون بأنّه مسار جديد لممارسة ضغوط أميركية أكبر على إسرائيل لوقف الحرب أو لتغيير مساراتها.

تشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ نتنياهو سيبقى مصرّاً على استدراج إيران إلى فخاخ كثيرة

قبل الردّ الإيراني، وقف بايدن متوجّهاً إلى إيران بأن لا تفعل. لكنّ الإيرانيين لم يستجيبوا. يعود بايدن لممارسة الضغط نفسه على نتنياهو لعدم الردّ على إيران، لكنّ المعلومات الآتية من عواصم كثيرة تؤكّد عدم استجابة نتنياهو لكلّ ضغوط بايدن، وأنّه لن يستجيب بل سيصرّ أكثر على تنفيذ الضربة، خصوصاً أنّه عاد وانتزع دعماً أميركياً وغربيّاً. معركة نتنياهو الأساسية حالياً هي تغيير قناعة الأميركيين تجاه إيران. ولذلك استشهد يوم الإثنين بمواقف لنوّاب من الكونغرس، ولا سيما زعيم الأغلبية الذي أكّد حقّ إسرائيل بالردّ على إيران. يسعى نتنياهو إلى القول للغرب إنّ إيران دولة شريرة ولا يمكن التعاطي معها على أساس التعاون. يستغلّ بذلك استحقاق الانتخابات الأميركية، ويريد تكرار تجربة صدّام حسين عندما أطلق صواريخ كروز على إسرائيل. لذلك يحاول تطويق إيران أكثر.

أفخاخ نتنياهو

تشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ نتنياهو سيبقى مصرّاً على استدراج إيران إلى فخاخ كثيرة، علماً أنّ رسائل دبلوماسية عربية وصلت إلى طهران بعدم الانجرار إلى الفخّ لأنّه سيؤدّي إلى تفجير الوضع في المنطقة ككلّ. تعبّر المصادر الدبلوماسية عن مخاوفها من بلوغ الوضع في المنطقة مرحلة اللاعودة، لا سيما تجاه لبنان. إذ تفيد المعطيات بأنّ الإسرائيليين اتّخذوا قراراً بالتصعيد ضدّ الحزب، وسيكون بعد الردّ الإسرائيلي على إيران، بالنظر إلى جملة مؤشّرات.

إيران

– أوّلاً، بعد الردّ الإيراني غيّر الحزب تكتيكاته العسكرية بتفجير عبوة ناسفة بمركبة للواء غولاني. وهذا يعني استهدافاً مباشراً للكادر البشري الإسرائيلي بدلاً من استهداف مراكز عسكرية.

– ثانياً، زرع الحزب لألغام على طول الحدود، وهو ما يعني سدّ أيّ ثغرة حدودية لمنع أيّ محاولة تسلّل إسرائيلية.

– ثالثاً، محاولات التسلّل الإسرائيلية لها أكثر من هدف: اختبار قدرة الحزب العسكرية على الحدود، ومعرفة الخواصر الرخوة تمهيداً لما قد يحصل في المرحلة المقبلة.

المسار العسكري الذي سلكته إيران جاء بعد جولات تفاوضية غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية

– رابعاً، إيصال الإسرائيليين رسائل إلى لبنان عبر اليونيفيل باعتماد مبدأ الأرض المحروقة، وعزل القرى بعضها عن بعض. وهذا ما يحصل في الأيام الأخيرة من خلال استهداف الطرقات العامّة أو التدمير الكبير.

– خامساً، يرتبط هذا التدمير ليس فقط بإعدام مقوّمات الحياة في القرى الأمامية، بل قد يمهّد الطريق أمام أيّ محاولة إسرائيلية للدخول برّيّاً.

– سادساً، استمرار المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تحاكي اجتياحاً برّياً، وسط معلومات عن إمكانية التفكير في دخول بعض المناطق الجنوبية ثمّ التفاوض لإرساء الحلّ الدبلوماسي الذي ينتهي بترسيم الحدود ومعالجة الوضعية العسكرية للحزب في الجنوب.

أحدث المقالات

كيف ينعكس غياب رئيسي وعبد اللهيان على جنوب لبنان؟

غالباً ما تترك حوادث دراماتيكية غير محسوبة تأثيرها على مجرى الأحداث. غياب الرئيس الإيراني...

خليفة خامنئي قُتل: إغتيال أم خلل فني؟

شكّل مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان حدثاً هزّ...

الحــزب أنجز اتّفاقه مع إسرائيل… والرئاسة مقدّمة؟

تعمل الدبلوماسية الدولية على مروحتين، مروحة الثنائي ومروحة المعارضة على حدّ سواء. مدركة أنّها...

المشهد الإقليمي إلى التغيّر: إيران ستحول “كارثتها” إلى فرصة

تأتي خسارة إيران لرئيسها ووزير خارجيتها، بحادثة تحطّم الطائرة، في توقيت حساس على مستوى...

المزيد من هذه الأخبار

صمود الحزب وحماس و”انتصارهما”: معركة نهاية الحروب في المنطقة؟

قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة...

إنتقاد “المجتمع الدولي”… لتغييب إيران عنه؟

قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين...

تعقيدات المفاوضات الحدودية: الطلعات والإعمار والتنقيب

لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه...

الجيش بين باسيل و السيّد!

استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة...

نصرالله “المنتصر”: وصيّ على مستقبل لبنان وسوريا ولاجئيها

يستعجل حزب الله إعلان انتصاراته. لا يريد لها أن تقتصر على لبنان فقط، بل...

وثيقة بكركي: إيجابية بو نجم لا تُبدّد الصعاب

ستعلن بكركي وثيقتها التي حملت عنوان «المسيحيون في لبنان إلى أين؟» في غضون أسبوع...

عين الخارج على هويّة الرئيس قبل الحدود

كلٌّ عالق في مأزقه الخاصّ. جو بايدن عالق في استحقاقه الرئاسي. بنيامين نتنياهو عالق...

عوكر «تحيي» الخماسية بعد مخاوف من شلّها او تفكّكها!

فوجئت الأوساط السياسية والديبلوماسية بالدعوة الاميركية لسفراء المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية الى اجتماع...

فريدمان: خطأ بايدن وخطر نتنياهو

أعرب الكاتب والمحلّل السياسي توماس فريدمان عن “أسفه لإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تعليق...

هوكستين يعِد بالإزدهار.. و”الحزب”: سنُعيد المنازل أفضل ممّا كانت

مع بدء سريان الهدنة في الجنوب سيتكشّف حجم الدمار من جراء الاعتداءات الإسرائيلية والأضرار...

نصاب رئاسيّ في جلسة النّزوح: الحزب بانتظار آموس

يكتمل النصاب “الرئاسي” بعد غد الأربعاء في جلسة مجلس النواب حضوراً وتصويتاً بالثلثين من...

ملف اللاجئين: مشكلة شعبين معاً وتتجاوز الديموغرافيا والأيديولوجيا

تقدّم ملف اللاجئين السوريين في لبنان على ما عداه من الملفات. ويكاد يتقّدم على...

النّازحون السّوريّون: أزمة كيان وانقسام وطن

“هبة المليار يورو” وما حصل بحقّ بعض السوريين إثر مقتل المسؤول القوّاتيّ باسكال سليمان...

الحزب أسير “نصرة” غــزّة.. وبرّي قلق من إلحاق لبنان بها

هل تعتمد طهران على الخلاف الأميركي الإسرائيلي حول مفاوضات الهدنة واقتحام معبر رفح من...

التّلويح الإيرانيّ بالنّوويّ حلٌّ لمشكلة أم تعقيدٌ لها؟

لوّحت طهران مرّتين في أسبوع واحد بتغيير عقيدتها النووية، الأمر الذي فُسّر بأنّها باتت...