كل يوم تطول فيه الحرب المندلعة في الجنوب بين حزب الله وجيش الإحتلال الإسرائيلي، تتداخل معها عناصر شائكة جديدة. وفي الإطالة سيكون البحث عن حلول أمراً أصعب. في الأيام الأولى لاندلاع المواجهات كجبهة مساندة لقطاع غزة، كان النقاش في لبنان ولدى الحزب يتركز حول عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل 8 تشرين الأول، بمجرد الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة. على الجانب الإسرائيلي تمسك الإسرائيليون بالتهديدات التي وجههوها للحزب في حينها. وبعدها بدأ مسار المواجهة يتوسع، فيما بدأت الطروحات السياسية والديبلوماسية تتكاثر وتتشابك مع بعضها البعض.
الصيغة الأميركية
تلقى لبنان عروضاً كثيراً، توزعت بين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين. فالأميركيون طرحوا أكثر من صيغة، أولها وقف إطلاق نار فوري في مقابل تجديد التفاوض حول ترسيم الحدود، وحول الحصول على الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وعودة الشركات للعمل في التنقيب عن النفط والغاز. وتدرجت المقترحات الأميركية التي قدمها المبعوث آموس هوكشتاين إلى صيغة نهائية بانتظار وقف إطلاق النار في غزة لطرحها. وهي أصبحت معروفة تتصل بتطبيق القرار 1701 ولكن على مراحل وليس بشكل كامل وفوري، وكان همّ الأميركيين والإسرائيليين هو وقف العمليات العسكرية، وبعدها إعادة السكان وسحب المظاهر المسلحة، ومن ثم متابعة تطبيق كامل للقرار. وجاءت صيغة التجزئة بعدما طالب لبنان بتطبيق القرار كاملاً، بما يمنع الإسرائيليين من مواصلة خروقاتهم واعتداءاتهم ووقف تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية.
الورقة الفرنسية والاقتراحات الأخرى
أما الفرنسيون، فقد قدموا ورقة واضحة ولكن يعتبرها لبنان أنها تتجاوز القرار 1701 وتعود إلى صيغة العام 1996. فيما قدم البريطانيون اقتراح أبراج المراقبة وغيرها. ولكن يتضح أن الملف كله سيكون في عهدة الأميركيين. لبنان لازم موقفه المؤيد للتطبيق الكامل للقرار 1701، بينما هناك رؤية دولية تشير إلى أن الأحداث التي حصلت والمواجهات المستمرة والقدرات العسكرية التي يظهرها حزب الله، بالإضافة إلى القدرات غير الظاهرة بعد، خصوصاً أن الإسرائيليين يعتبرون أن الحزب لا يزال يمتلك أسلحة كاسرة للتوازن، بينها الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى وأنواع من المسيّرات.. وبناء عليه، فهم يعتبرون أن الزمن والأحداث تجاوزا القرار 1701 ومفاعيله، وأنه لا بد من البحث عن صيغ جديدة لتوفير الضمانات اللازمة لأمن اسرائيل وسكان المستوطنات الشمالية.
طبعاً لا يملك الإسرائيليون رؤية أو تصوراً لليوم التالي في جنوب لبنان، كما هم حتى الآن لا يمتلكون رؤية لليوم التالي في غزة. لذلك، فإن الكلام لا يزال للميدان والتصعيد المشهود عسكرياً، من خلال الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهات، في ظل التركيز الإسرائيلي على نقطتين أساسيتين لدى الحزب، هي الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى والأنفاق التي يمكن للحزب استخدامها للوصول إلى الأراضي المحتلة. وبالتالي، تكرار مشهدية طوفان الأقصى انطلاقاً من جنوب لبنان.
الموقف اللبناني
من وجهة نظر لبنان فإن تطبيق الـ1701، لا بد له أن يكون وفق الصيغة التي كانت قائمة بين العام 2017 وما قبل 7 تشرين الأول 2023. إذ أنه قبل العام 2017 لم تكن قوات اليونيفيل ترصد أو تشهد عمليات تسلح أو حركة عسكرية نشطة للحزب جنوب نهر الليطاني، وربما كان هناك تحركات غير مشهودة. ولكن بعد العام 2017 تغيرت الوقائع. وذلك مرفوض بالكامل إسرائيلياً ووفق المقاربة الأميركية أيضاً، التي تهدف للوصول إلى حل مستدام يؤدي إلى ترسيم الحدود، وإنهاء أي مجال لنشوء صراعات أو نشوب مواجهات جديدة.
استحقاق معقد آخر يواجهه لبنان في الأشهر القليلة المقبلة، وتعقيداته ستزداد كلما طال أمد الحرب، وهو يرتبط بمسار عمل قوات الطوارئ الدولية. فحتى الآن، وجود اليونيفيل يسهم بشكل أو بآخر بوضع عوائق أمام اتساع رقعة الصراع، طالما أن هذه القوات الدولية موجودة في الجنوب، فيمكنها أن تشكل رادعاً للطرفين للقيام بعمليات عسكرية برّية واسعة، لأن السؤال الدولي الأساسي سيكون عن مصير هذه القوات.
أما المشكلة الأكبر فهي مسألة التمديد لهذه القوات التي يفترض أن تحصل في الصيف المقبل، ووفق أي صيغة بعد الاشتباكات التي حصلت. هناك ضغط دولي وتشديد اسرائيلي على تعزيز وتوسيع صلاحيات اليونيفيل. وهو أمر لطالما رُفض في لبنان، ما سيؤدي إلى أزمة لدى مجلس الأمن في مقاربة هذا الملف، وفي إيجاد صيغة تلائم الطرفين للتمديد، لا سيما أن الإسرائيليين قد يطرحون التطبيق تحت الفصل السابع. وهو أمر لن يمر بسبب رفض قوى دولية أخرى. وهذا جزء من معضلة حقيقية سيكون لبنان مقبلاً عليها، مع ما تحمله من مخاطر لجهة التصعيد الإسرائيلي في ظل استمرار تهجير سكان المستوطنات الشمالية.