كل الأجواء الآتية من تحركات الجيش الإسرائيلي، ووضعية “الجبهة الداخلية” وخصوصاً الشمالية، تشير إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير التي توحي بالاستعداد للقيام بشن عمليات أوسع ضد حزب الله في لبنان. أجرى الإسرائيليون مناورات كثيرة تحاكي حروباً ومناورات تختص بالأوضاع الصحية والطبية وتوفير المواد الغذائية والطاقة الكهربائية، وتجهيز ملاجئ ومستشفيات ميدانية. كل ذلك في إطار محاكاة حرب قد تندلع في أي لحظة مع حزب الله.
مناورات أم استعداد للهجوم؟
هناك سؤال، بالمعنى العسكري، ينطوي على خدع كلاسيكية في مثل هذه المراحل، إذا كان هذا الإكثار من المناورات العسكرية يهدف إلى إضاعة الطرف الآخر استراتيجياً، ووضعه في حيرة من أمره في تقييمه إن كانت المناورة فعلية أم تغطية لحشد هجومي أو شن عمليات كبيرة. ويبدو أن هذه المناورات تشتمل على إعادة ترتيب البنية العسكرية للجيش الإسرائيلي الذي يخوض حرباً منذ أشهر في قطاع غزة، ويعاني من تعب وإرهاق. لكن الجديد هو نوعية المناورات كالتخصص في الضربات الموضعية والاستراتيجية والاغتيالات، بالإضافة إلى تخصصات تحاكي حروباً تقنية أو برية، ما يعني دراسة سلسلة احتمالات للمواجهة المحتملة، التي ستكون مفتوحة.
الصواريخ والأنفاق
يحاول الإسرائيليون الاستثمار في الضربة الإيرانية التي تلقوها، وبالضغط الأميركي عليهم لعدم الردّ، لتحويل الأنظار باتجاه حزب الله، لا سيما أن الإسرائيليين يعتبرون أن الحزب لديه التقنيات نفسها الموجودة لدى الإيرانيين، ويمتلك كمية كبيرة من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى.
قبل سنوات طرح الإسرائيليون ملفين أساسيين للضغط على حزب الله، وطالبوا في كل المفاوضات الأميركية مع لبنان بضرورة تخلي الحزب عنهما. الملف الأول، هو الصواريخ الدقيقة والبعيدة والمدى، والتي طالب الأميركيون مراراً بتفكيكها. والملف الثاني، هو الأنفاق التي يمتلكها الحزب على طول الحدود ويمكن استخدامها للوصول إلى الأراضي المحتلة. فسابقاً عمل الإسرائيليون على تفكيك بعض الأنفاق، ولكنهم يعلمون أن الحزب يمتلك الكثير منها. وهم يثيرون النقاش حولها حالياً، ويطالبون بتدميرها ويلوحون بتنفيذ عملية عسكرية لضربها.
إيران والدول العربية
أمام كل هذه الوقائع، هناك من يبدي تخوفه من أن لبنان لم يعد يتمتع بأي غطاء دولي عربي، وفقد مظلة الحماية. أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن مساراً جديداً تسعى اسرائيل إلى فتحه بعد عملية 7 تشرين الأول. وهي تحمل له عنوانين، ضرب النفوذ الإيراني في المنطقة وضرب القوى الإسلامية. وهي بذلك تحاول محاكاة الكثير من الدول العربية، وبناء تنسيق وتفاهمات سياسية وعسكرية وإنتاج “تحالفات” تبدو أبعد من التطبيع. مثل هذا الجو لا بد له أن ينعكس على لبنان، خصوصاً في ظل غياب أي رؤية سياسية لبنانية قادرة على إنتاج صيغة تسوية مع المجتمع الدولي.
يرفع الإسرائيليون أيضاً شعار محاصرة ايران نووياً وتقويض نفوذها. كل هذه النقاط تدفع قوى ديبلوماسية وداخلية إلى إبداء التخوف بشكل أكبر على لبنان، وما سيواجهه في المرحلة المقبلة. خصوصاً أن هؤلاء يضعون سلّم أولويات حالياً، وهو الإنهماك الإسرائيلي بالرد على إيران، واستكمال المعركة في رفح، وبعدها الانتقال إلى لبنان.
مصلحة أميركية واهتمام فرنسي
لكن وجهة النظر هذه لها ما يناقضها أيضاً، لدى قوى سياسية أخرى. يعتبر هؤلاء أن لبنان لم يفقد المظلة الدولية، والدليل هو السعي الأميركي الفرنسي للوصول إلى حل ديبلوماسي وتجنب التصعيد العسكري. ويستند ذلك على أن أميركا تهتم بلبنان انطلاقاً من موقعه على البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً في ظل الوجود الروسي في سوريا وفي ميناء اللاذقية. وذلك لا ينفصل عن القدوم الأميركي إلى بحر غزة وإقامة ميناء.
هناك مصلحة أميركية في أن لا تتطور المواجهات العسكرية بين حزب الله واسرائيل، لتتوسع وتصبح حرباً، تؤدي إلى انهيارات كبيرة في الداخل اللبناني، على غرار الوضع السوري أو العراقي. ولذلك يراهن هؤلاء على استمرار المساعي الديبلوماسية للوصول لإنتاج صيغة حل سياسي لوضع الجنوب وللواقع الداخلي. ولكنهم يعتبرون أن صيغة الحل ستكون بين الإيرانيين والأميركيين، والتي تواكبها أيضاً تحركات اللجنة الخماسية، على الرغم من عدم قدرتها على تحقيق خروقات حتى الآن.