استحوذت زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي «آموس هوكشتاين» على اهتمام يوازي الاهتمام بمتابعة تفاصيل المفاوضات الجاريّة بين حركة حماس و«إسرائيل» عبر الوسطاء في القاهرة.
الحدثان المتوازيان مرتبطان ببعضهما البعض لارتباط الجبهة في لبنان بالجبهة في غزة، وأي هدنة تسري هناك ستسري هنا بحكم الأمر الواقع بعيداً من تهديدات وزير حرب العدو «يوآف غالانت» الّذي فصل قبل أيّام بين الجبهتين.
وقد اعتبر مطّلعون بأنّ توقيت زيارة «هوكشتاين» تؤكّد حصول الهدنة في قطاع غزّة قبل شهر رمضان المبارك، فقد نقل زوّار عين التّينة عن الرئيس نبيه برّي قبل أسبوعين بأنّ «هوكشتاين» لن يعمل تحت النّار وعندما يتمّ الاتّفاق على هدنة سيأتي إلى لبنان لاستكمال مبادرته الّتي بدأها قبل عمليّة «طوفان الأقصى» والّتي تقضي بإيجاد حلّ على الحدود البرّيّة اللّبنانيّة الفلسطينيّة شبيه بالاتّفاق البحري لضمان استقرار طويل المدى في المنطقة.
أمّا في القاهرة فتخوض حركة «حماس» حرباً ديبلوماسيّة لا تقلّ شراسة عن تلك العسكريّة الّتي خاضتها على مدى خمسة أشهر، وربّما أكثر شراسة وخطورة لاعتبارات كثيرة.
ففي بداية مشوار التفاوض الأخير بدا لقادة حماس وكأنّ الوسطاء يتعاطون معهم من موقع الخاسر للحرب العسكريّة، وما يطلبونه منهم يكاد يوازي وثيقة استسلام للعدو، والضّغط الّذي يمارس على الوفد المفاوض يصل إلى حدّ الابتزاز بالوضع الإنساني والمأساوي الّذي تتعمّد «إسرائيل» فرضه على أهل قطاع غزّة من تجويع وتشريد واهانة متعمّدة لتأليب النّاس على المقاومة وتحريضهم عليها.
والثّابت لدى قيادة حركة حماس بأنّ تصريحات الأميركيين لا تعكس حقيقة أدائهم، فهل يصدّق أحد بأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة عاجزة عن إدخال المساعدات الإنسانيّة عبر معبر رفح؟
بالطّبع لا، لكنّ الحقيقة أنّ إدارة الرّئيس «جو بايدن» تبيع العرب والمسلمين تصريحات ومواقف لا ترجمة فعليّة لها، علّها تكسب بعض الأصوات في الانتخابات الرئاسيّة القادمة بعد ما مُنيت حملة «بايدن» بصفعة مدوّية في «ميتشيغان».
وعكس التصريحات العلنيّة تشجّع الإدارة الأميركيّة «نتنياهو» على مزيد من التّشدّد والضّغط على المقاومة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات، فالحرب الّتي كانت تتحاشاها وقعت، ولن تخرج منها، أميركا، قبل تحقيق انجازات تسمح لها بالتّفاوض مع إيران من موقع القوي لتتفرّغ لاحقًا إلى ملفّي «أوكرانيا» و«تايوان» فتردع روسيا وتحتوي الصّين، حسبما تأمل.
فهل تكون الهدنة المحتملة بداية نهاية الحرب؟
عدلت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي صياغة مشروع قرار قدّمته لمجلس الأمن الدّولي يدعم «وقف فوري لإطلاق النّار لمدّة ستّة أسابيع تقريبًا في غزّة والإفراج عن جميع الرهائن».. وفقا لنص مشروع القرار الذي اطلعت الوكالة، وقالت بأنّ «النّسخة الّتي عرضتها واشنطن لأوّل مرّة قبل أسبوعين كانت تدعو إلى وقف مؤقّت لإطلاق النّار في غزة، مشيرة إلى أن مشروع القرار المعدّل المعروض حاليًّا على مجلس الأمن يعكس تصريحات أدلت بها «كامالا هاريس» نائب الرئيس الأميركي.
هذا المؤشّر، إضافة إلى أجواء لقاءات «هوكشتاين» في بيروت توحي بأنّ الولايات المتّحدة تسعى لجعل الهدنة المؤقّتة وقفاً كاملاً لاطلاق النّار، وأنّ الأسابيع السّتّة كافية لبلورة تصوّر حول اليوم التّالي للحرب في غزّة ولبنان، وهذا ما أشار إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مقابلته المتلفزة «مفاوضات بشأن التّهدئة في جنوب لبنان ستبدأ في شهر رمضان».
بناء عليه، يتوقّع أن تشهد الأيّام المقبلة الكثير من التّصعيد على جبهة الجنوب خصوصًا، فالعدو يريد أن يظهر بمظهر القوي المستعدّ للذّهاب بعيدًا في حربه، ولأنّه متعطّش للدّماء والتّدمير من لن يتوانى عن استغلال فرصة الأيّام الحرجة لحشر «حزب الله» في الزّاوية لعلمه بأنّ الحزب لن يذهب إلى خطوات تخرّب الهدنة على أهل غزّة قبيل شهر رمضان المبارك.
سيعود «هوكشتاين» مجدّداً إلى بيروت لمتابعة عمله إذا ما تمّت الهدنة في غزّة وانسحبت على لبنان، والورقة الّتي سلّمها إلى الرّئيس نبيه برّي «واقعيّة إلى حدّ ما» كما وصفها أحد المصادر القريبة من عين التّينة ويمكن البناء عليها، وإذ رفض الافصاح عن مضمونها باعتبار الحديث فيها ليس مجديًا الآن لضرورات التّفاوض، قال عند سؤاله إذا ما كانت الأجواء إيجابيّة: ليست إيجابيّة ولا سلبيّة، يمكننا القول بأنّ العمل الجدّي قد بدأ، ونأمل خيراً..».