يصل الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت اليوم في ثالث زيارة له منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول). بين شباط، موعد زيارة بيروت التي لم تحصل بعد محطة هوكستين في تل أبيب، وآذار لم تسجَّل تغييرات انقلابية في موازين القوى العسكرية. إن في غزة أو في جنوب لبنان. على الرغم من ارتفاع حدّة المواجهات العسكرية وتمادي العدوّ الإسرائيلي في هجماته وصولاً إلى بعلبك. لكنّ الجانب اللبناني يراهن على “اقتراحٍ” ما ينقله الزائر الأميركي قد يَكسر استاتيكو الاستنزاف العسكري والسياسي.
استُبدِلت زيارة هوكستين التي لم تتمّ في شباط بزيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورنيه حامِلاً مقترحات أمنيّة لم تلقَ أيّ تجاوب من الجانب اللبناني. خصوصاً الحزب الذي وَصفها بـ “المقترحات الإسرائيلية”. “زاحَ” الفرنسي من الدرب وطلّ الأميركي مجدّداً محصَّناً بنوايا حسنة سَمِعها الرئيس نجيب ميقاتي من الموفد الأميركي. إذ أخبره حين التقاه في ميونيخ “عن الضغط الأميركي المستمرّ على تل أبيب لمنعها من توسيع رقعة الحرب مع لبنان”.
يقول مصدر دبلوماسي لـ “أساس” إنّ “زيارة هوكستين ترتبط بشكل وثيق بمسار الهدنة في غزة التي يُفترض أن تبدأ أولى مراحلها قبل شهر رمضان. لكن حتى الآن دونها عقبات مرتبطة بالتفاصيل. خصوصاً في ملفّ الأسرى والمحتجزين وعودة النازحين الفلسطينيين إلى جنوب غزة وشمالها”. ويلفت إلى أنّ محطة هوكستين اللبنانية “أقرب إلى المواكبة الأميركية لإرساء الاستقرار جنوباً بالتزامن مع بدء الهدنة. خصوصاً أنّ إسرائيل كرّرت أكثر من مرّة تهديدها بفصل غزة عن جنوب لبنان إذا بقي الحزب متمترساً بمواقعه القتالية في المناطق الحدودية”.
مصدر دبلوماسي لـ “أساس”: زيارة هوكستين ترتبط بمسار الهدنة في غزة
يشير المصدر إلى “حمل هوكستين اقتراحات قديمة-جديدة لتكريس الاستقرار جنوباً. لكن بالتدرّج، وعلى رأسها انتزاع موقف لبناني ينقله إلى تل أبيب في شأن توفير مناخات لعودة مستوطني الشمال. مع تعويل على نتائج لقاءات حركة حماس وإسرائيل في القاهرة أمس بجهود قطرية مصرية وبالتنسيق مع واشنطن. وهي تلي مرحلة لقاءات الدوحة حيث بقي الكثير من النقاط الإشكالية التي أعاقت بلورة الاتفاق النهائي بين الجانبين”. ويضيف أنّ “سلّة أهداف موفد واشنطن واضحة. لكن ترتيبها الزمني غامض وقد لا يلقى قبولاً لدى الحزب إذا شعر أنّه محاصَر بالتزامات مُعفى منها العدوّ الإسرائيلي. وهذا الترتيب يشمل فتح ملفّ الحدود البرّيّة وتطبيق القرار 1701 وتعزيز انتشار الجيش”.
أعلن مصدر قيادي في “حماس” أمس لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” احتمال الاتّفاق على هدنة خلال 24 أو 48 ساعة في حال تجاوبت إسرائيل مع مطالبها.
عصا أم جزرة هوكستين؟
سَبقت الزيارة الأخيرة لهوكستين لبيروت في منتصف كانون الثاني الماضي تسريبات أميركية. وقد عكست جزءاً منها السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا قبل مغادرتها لبنان. وتناولت هذه التسريبات تركيز الموفد الرئاسي الأميركي وساطته على فتح ملفّ تثبيت الحدود البرّيّة اللبنانية-الإسرائيلية. وذلك بالتزامن مع الضغط لتبريد جبهة الجنوب. وأكّدت آنذاك حرص الإدارة الأميركية على عدم تسخين الجبهات من غزة إلى الحدود الجنوبية وتقليص رقعة المواجهات. وذلك إيذاناً ببدء مرحلة التسوية أو الهدن المُتدرّجة.
هوكستين: أمن مستوطني الشمال
لكنّ زيارة هوكستين الأخيرة كادت تُختَصر بمطلب أميركي-إسرائيلي واضح بضرورة تراجع الحزب نحو سبعة كيلومترات إلى ما وراء الخطّ الأزرق. وهي خطوة إلزامية تسبق عودة النازحين من الجانبين في المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الحدودية الجنوبية. وتتعزّز بانتشار مكثّف لجنود الجيش اللبناني في منطقة الليطاني، وذلك قبل البحث بالملفّ الحدودي.
مصدر قيادي في “حماس”: احتمال الاتّفاق على هدنة خلال 24 أو 48 ساعة في حال تجاوبت إسرائيل مع مطالبها
بلهجته الدبلوماسية نَقَل يومها هوكستين إلى المسؤولين اللبنانيين ما يُشبِه التهديد. وتضمّن ما يفيد أنّ عدم تراجع الحزب بضعة كيلومترات إلى الوراء مع كامل ترسانته الصاوروخية. سيقابله الإسرائيلي بعدم التواني عن تنفيذ خطّته العسكرية باجتياح لبنان لخلق منطقة عازلة حمايةً لأمن مستوطني الشمال. وسلّم بأنّ وقف الأعمال العدائية من الجانبين هو المدخل للتهدئة جنوباً وليس فقط انتظار نتيجة التفاوض بين إسرائيل وحركة حماس.
فعليّاً بين السراي وعين التينة والحزب تقاطعت يومها المواقف حول ضرورة وقف حرب غزة أوّلاً وتطبيق الـ 1701. على أن يتزامن مع انسحاب إسرائيل من النقاط الحدودية المتنازع عليها وتحرير مزارع شبعا. وهو ما جعل مقترحات هوكستين معلّقة بانتظار تبلور المشهد الغزّي ورصد مدى قدرة إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بشنّ حرب على لبنان.
تصلّب الحزب
لكنّ ما قد يصطدم به الموفد الأميركي هو مزيد من التصلّب من جانب الحزب. إذ سبق لأمينه العامّ السيّد حسن نصرالله أن طالب الحكومة اللبنانية بفرض مزيد من الشروط للالتزام بتطبيق القرار 1701.
المؤكّد أنّ أكثر العمليات إيلاماً للحزب تترجم في عمليات الاغتيال الجوّية لكوادره وعناصره. وآخرها مقتل أربعة عناصر من الحزب بضربة إسرائيلية استهدفتهم خلال وجودهم في منزل بمنطقة بليدا. وضربة أخرى في اليوم نفسه استهدفت سيارة تقلّ ثلاثة عناصر على طريق الناقورة الساحلية. وذلك ضمن منطقة عمليات اليونيفيل، القريبة من مدينة صور التي كانت لا تزال تصنّف آمنة بالمنظور العسكري. وعمليات الاغتيال بالصواريخ نقطة ملتبسة قد لا تلتزم إسرائيل بتقديم ضمانات حيالها ضمن المراحل الأولى للهدنة في غزة!