تتضارب التقييمات اللبنانية لمسارات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وانعكاسها على لبنان. لكن الجواب الشافي الذي يمكن الحصول عليه من جهات لبنانية وديبلوماسية مسؤولة ومواكبة لهذه التطورات، أن لا أحد يمكنه التنبؤ أو التوقع أو التيقن مما يمكن أن تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية. فأولاً، هي حكومة يمينية متطرفة. ثانياً، هي حكومة تتنازعها خلافات وصراعات ومزايدات، قد تقود إلى خيارات متهورة. ثالثاً، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بحاجة إلى الاستمرار في حالة الحرب لأطول فترة ممكنة. فهو لن يكون قادراً على تحمل هدنتين في إسرائيل وفي جنوب لبنان. وفي حال نجحت الهدنة في قطاع غزة، قد يستمر بضرباته ضد أهداف لحزب الله، لإطالة أمد حالة الحرب.
اندفاع نتنياهو
وسط كل هذه الاعتبارات، تصل إلى لبنان المزيد من التقارير الدولية، حول المساعي المبذولة والضغوط المفروضة على إسرائيل، لتجنب توسيع رقعة الحرب، تحت عنوان أن أي حرب واسعة مع حزب الله ستعني انفجار حرب إقليمية لا أحد يريدها. وهذا ما يركز عليه الأميركيون. لكن، حتى الأميركيين غير قادرين على حسم ما يمكن أن يقوم به نتنياهو. إذ يعتبرون أنه في حال ذهب إلى الهدنة في قطاع غزة لمدة 6 أسابيع، فهو سيعود إلى استئناف عملياته العسكرية. وهو يريد خوض معركة رفح. في حينها، ستكون أميركا قد أصبحت منكفئة لدرجة كبيرة نحو الداخل وحساباتها الانتخابية. وبالتالي، ستكون يد نتنياهو مطلقة في العمليات.
بعد عملية رفح، يمكن لنتنياهو أن يتجه نحو توسيع نطاق عملياته في لبنان. وهذا ما دفع بمسؤولين أميركيين للتعبير عن خشيتهم من شن إسرائيل عملية عسكرية برية ضد لبنان، في الربيع أو مع بداية الصيف. لهذا الكلام تفسيران. الأول، نوع من التهويل على لبنان للقبول بمفاوضات جدية وإنتاج اتفاق ونزع أي ورقة يمكن ان يستخدمها نتنياهو لتبرير تصعيده. والثاني، هو أن يكون لدى الأميركيين مؤشرات واضحة أو جدية حول نية نتنياهو وحكومته في توسيع العمليات ضد لبنان. أي أن هذه التسريبات تنطوي على تحذيرات أخرى يتم توجيهها للمسؤولين اللبنانيين، مفادها أن أميركا لن تكون قادرة على لجم نتنياهو وجنونه. وفي حال عمد إلى توسيع الحرب، فإن واشنطن تكون قد استبقت الأمر في تحذيراتها.
الرهان اللبناني
كل التقييمات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى حتمية توسيع العمليات في جنوب لبنان. وآخر التقييمات كانت تلك التي أجراها رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، خلال زيارته لقيادة المنطقة الشمالية قبل أيام، مبدياً استبعاده الوصول إلى اتفاق سياسي أو ديبلوماسي وضرورة الاستعداد لتوسيع المواجهات.
لبنانياً، فإن كل هذا الكلام تقرأه مصادر متابعة في سياق زيادة منسوب التهويل. هناك قناعة لبنانية بأن الأمور ستذهب نحو هدنة، ومع تطبيقها في غزة لا بد لها أن تنسحب على الواقع اللبناني. وحينها، يمكن للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين أن يتحرك باتجاه تل أبيب وبيروت، في إطار مساعيه للوصول إلى اتفاق إطار.
ما يشير إلى رهان لبنان على نجاح الهدنة، يمكن قراءته في مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي (حسب المعلومات) تلقى قبل أيام قليلة رسائل واضحة من الأميركيين بأن الضغوط مستمرة على إسرائيل لمنعها من شن الحرب أو توسيعها، وأن هناك نوعاً من الطمأنة التي يتلقاها لبنان حول تجنب الحرب أو توسيع المواجهات، بشرط الانتقال إلى مرحلة جدية من المفاوضات السياسية لإنتاج الحل.
مقابل الوجهة النظرهذه، هناك من يعتبر أنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق يرسي الاستقرار، إلا بعد عمليات كبيرة أو تكثيف الضربات، وليس بالضرورة من خلال حرب.
ولذا، لبنان غير قادر حتى الآن على حسم الوجهة بين الحرب واللاحرب.