عملياً، بلغ التمادي الإسرائيلي حداً غير مسبوق، الوصول إلى استهداف مناطق على بعد 100 كلم عن الحدود الجنوبية، يمثل كسراً لكل قواعد الاشتباك. وربما يأتي ذلك في ظل قناعة الإسرائيليين أنهم مهما فعلوا وتمادوا، فإن الحزب لن يُستدرج إلى الحرب. وبالتالي، هم يكثفون عملياتهم، خصوصاً قبل الوصول إلى الهدنة المقترحة في قطاع غزة، والتي يفترض الحزب أن تسري على لبنان أيضاً، رغم ما يقولونه الإسرائيليون أنها لن تسري على الجبهة الشمالية.
إذاً، يتأرجح لبنان بين الحرب واللاحرب. إلا أن معطيات من مصادر متعددة تفيد باستبعاد الحرب الواسعة واستمرار مثل هذه العمليات النوعية والتي يمكن أن تطال أي منطقة في لبنان.
واقع جديد
المواجهات المفتوحة لها هدف أساسي وهو إرساء واقع جديد في الجنوب اللبناني، أو دفع حزب الله لتقديم تنازلات قاسية لتجنّب الحرب. لذلك، هناك من يعتبر أن واقعاً جديداً سينتج في نهاية المطاف، تختلف قواعده وترتيباته الميدانية عن ما كان عليه الوضع سابقاً، سواء بعد التحرير في العام 2000 أو بعد العام 2006 وآلية تطبيق القرار 1701 الملتوية.
هناك من يشير إلى ضرورة فرض إجراءات أكثر ثقة لتوفير الاستقرار الطويل الأمد. وهذا لا بد أن يكون بضمانات دولية، بعضها يرتبط بعمل اليونيفيل وبعضها الآخر يرتبط بعمل الجيش اللبناني، مقابل إبعاد حزب الله لأسلحته الثقيلة عن الحدود. كل ذلك ينتظر ورقة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والذي لا يزال آخرون يشككون بأن ما يفعله هو نوع من كسب الوقت للانتهاء من غزة. وربما بعدها، يأتي التصعيد الإسرائيلي الكبير باتجاه الحزب ولبنان.
على إيقاع غزة
تفيد المعلومات، أن لبنان أرسل رسائل واضحة حول استعداده لأن تكون الهدنة سارية على أراضيه بالتزامن مع هدنة غزة، لكن ما يطالب به الأميركيون هو أن تبقى التهدئة في لبنان طويلة الأمد، ويستمر الالتزام بها حتى وإن تجددت المعارك في قطاع غزة.
في هذا السياق تنقسم وجهات النظر إلى قسمين. الأول، يفيد بقدرة الأميركيين على تحقيق الفصل بين الجبهات. والثاني، يستبعد ذلك، ويعتبر أنه في حال عاد الإسرائيليون إلى شن عمليتهم العسكرية في رفح فإن حزب الله سيستأنف عملياته.
وفي حال تجددت المواجهات بعد الهدنة، فهناك توقعات بأن يعمل حزب الله على استخدام أنواع جديدة من الأسلحة، خصوصاً أن استخدام صواريخ أرض جو لإسقاط المسيرات هي مؤشر. صحيح أن الحزب حاول في البداية استخدام هذا النوع من الصواريخ لكنها لم تحقق إصابات، أما بعد تحقيق الإصابة يوم الإثنين، فهذا ينذر بتطور من قبل الحزب في مواجهاته، التي يستعد لها.
هنا لا بد من تسجيل جملة ملاحظات. الأولى، أن استهداف الجبل الرفيع مثلاً، جاء بعد إطلاق الحزب لصاروخ أرض جو منه لإسقاط مسيرة اسرائيلية، كما أن القصف على بعلبك جاء في السياق نفسه. وهذا يعني أن الإسرائيليين يضعون عملياتهم في إطار رد الفعل.
ما بين وجهتي النظر، تقول مصادر متابعة إن النقاش يدور حول مدة الهدنة المطلوبة في غزة لتكريس فصل الجبهات، ولا سيما الجبهة اللبنانية. ففي حال كانت الهدنة لأربعة أسابيع أو ستة، ثم تجددت المواجهات في القطاع، فستتجدد تلقائياً في جنوب لبنان. فيما المطالبة الأساسية هي الاتفاق على هدنة لخمسة أشهر. وبحال تحققت، حينها يمكن للبنان أن لا ينخرط مجدداً، لأن هذه الفترة قد تكون ملائمة لانتاج اتفاقات حول وضع الحدود وربما تسوية سياسية شاملة.