ثمّة تفاؤل في أجواء الخماسيّة بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
فبين غزّة وتداعيات “طوفان الأقصى”، وبين جبهة الجنوب ومداولات تطبيق القرار 1701، وبين لقاء سفرائها مع نبيه برّي ورصدهم لمواقف الحزب وميشال عون الأخيرة… بدا اجتماعهم الأخير في قصر الصنوبر تمهيداً لخطوة أو خطوات محتملة. فماذا عن التفاصيل والخلفيّات والمهل الزمنية لانتخاب أو حلحلة؟ والأهمّ، ما هي مقاربة الخماسية لخماسية الأسماء الرئاسية المتداوَلة، بين مرشّحَي جلسة 14 حزيران الأخيرة، سليمان فرنجية وجهاد أزعور، وبين الأسماء الثلاثة الأخرى التي قيل أنّها طُرحت ضمن نظريّة الخيار الثالث؟
يكشف مصدر دبلوماسي متابع لاجتماعات الخماسية الدولية حول لبنان ومطّلع على أدقّ تفاصيل لقاءاتها وحركتها، أنّ اجتماع السفراء الخمسة الأخير في قصر الصنوبر، شكّل محطّة مهمّة لنوع من خارطة طريق واضحة.
هي الخارطة التي بدأت باجتماع السفراء مع نبيه برّي. الكلام عن تصوّرات الخماسية بات معروفاً: لودريان منكبّ الآن على وضع خلاصة لمواصفات الرئيس، استناداً إلى نحو 80 جواباً قدّمها النواب اللبنانيون إليه في محطّته اللبنانية الأخيرة. بعد الخلاصات المطلوب شيء من “كولسة” لبنانية حول تلك المواصفات وانطباقها أو تطبيقها على المرشّحين المحتملين. ثمّ يذهب الجميع إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات اقتراع متتالية، تكون الأخيرة ويُنتخب فيها رئيس جديد للجمهورية.
لكنّ سرّ تفاؤل الخماسية لا يكمن في تلك الآليّة، ولا في الأجوبة الخطّية للنواب، ولا طبعاً في قدرة لودريان على فرض خلاصاته عليهم. هو تفاؤل يكشف المصدر الدبلوماسي بصراحة، أنّه يستند إلى معطيات سياسية ودبلوماسية تملكها الخماسية:
1- موقف إيران. فهي أبلغت عواصم الخماسية بشكل واضح، أنّها لا تريد حرباً في لبنان ولا في سوريا ولا في العراق، وأنّها تعتقد بإمكان توصّل اللبنانيين إلى انتخاب رئيس بمعزل عن غزة وتطوّرات جنوب لبنان، وأنّ الباقي لدى الحزب.
ثمّة تفاؤل في أجواء الخماسية بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان
أكثر من ذلك، يكشف المصدر نفسه أنّ طهران كانت جدّية بالرسالة التي نقلها وزير خارجيّتها، عبد اللهيان في زيارته قبل الأخيرة لبيروت، التي صودف حصولها يوم عيد الاستقلال في لبنان، ومفادها بأنّ بلاده مصرّة على التوافق مع السعودية في الملفّ اللبناني، وتحديداً في الاستحقاق الرئاسي.
وهي رسالة يؤكّد المصدر الدبلوماسي أنّها نُقلت إلى المملكة مباشرة، كما في بيروت عبر الثنائي الشيعي.
2- موقف الحزب. يعتقد المصدر نفسه بأنّ الحزب بات مقتنعاً هو أيضاً بضرورة انتخاب رئيس. فهو يعرف حقيقة موازين القوى، وهو حريص على عدم الخطأ في قراءتها أو مقاربتها. وهو براغماتي بشكل واضح. ومن لم يفهم براغماتيّته الكبيرة في تأمينه التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في 15 كانون الأول الماضي، فلن يفهم سلوكه الرئاسي واللبناني عموماً.
يكشف المصدر اطّلاع الخماسية على مداولات داخلية للحزب، بينها رأيٌ يقول بأنّه تمّت إضاعة أكثر من سنة، على تعنّت رئاسي غير مجدٍ ولا مثمر. وذلك نتيجة معلومات غير صحيحة عن حقيقة الموقف السعودي الرئاسي. وهي المعلومات التي تولّى نقلها طوال أشهر أحد المسؤولين الفرنسيين السابقين عن هذا الملفّ. ويقصد المستشار الرئاسي الفرنسي السابق باتريك دوريل، وهو ما طواه الحزب بعد ضياع وقت ثمين.
الخماسيّة
3- مواقف ميشال عون وجبران باسيل. لكنّ المصدر الدبلوماسي نفسه يستبعد ذلك. فالرئيس السابق ووريثه في رئاسة “التيار الوطني الحرّ” ذهبا بعيداً جداً هذه المرّة، وتحدّثا عن شبه طلاق كامل مع فلسفة الحزب حول شرعيّة توجيه سلاحه إلى الجنوب من جنوب لبنان.
يأتي هذا الكلام في توقيت صعب ودقيق بالنسبة للحزب. فهو يبدو متحسّساً من كلام آخر مدوّن أو مؤثّر على السوشيل ميديا. فكيف بموقف فريق مسيحي كالذي يمثّله عون؟! وصمت الحزب كلّياً حيال انتقادات حليفه اللاذعة له، وضبطه شارعه الإلكتروني بعدم الردّ عليه وتجاهله بالكامل، دليلان إضافيان على براغماتية الحزب، كما على أهمّية موقف عون – باسيل.
يؤكّد المصدر الدبلوماسي ثقته بكلام برّي واقتناعه بنيّاته التسهيل للوصول إلى الحلّ
4- موقف نبيه برّي. إذ يعتبره المصدر الدبلوماسي المعنيّ بمهمّة الخماسية، أساسيّاً. بل هو الموقف المفتاح لما سيحصل من تمهيد وانتخاب رئيس. ويكشف المصدر أنّ برّي في لقائه سفراء الخماسية الأخير، كان متجاوباً إلى أقصى الحدود. لا بل كان شاكراً ومقدّراً لعمل الخماسية للخروج من مأزق الفراغ. وكان بحسب المصدر نفسه، صريحاً مباشراً واعداً وحازماً في تجاوبه الكامل مع المسعى الخماسيّ الدولي.
قال للسفراء: “أكملوا مهمّتكم وأنا جاهز. وإذا كانت الكلمات عقدة للبعض، فلنتخطَّها. لا يريد الفريق الآخر حواراً؟ فيلكن تداولاً أو تشاوراً أو استئناساً أو أيّ شيء. المهمّ أن تكملوا المطلوب ونذهب إلى جلسة انتخاب أخيرة”.
ثقة دبلوماسيّة بكلام برّي
يؤكّد المصدر الدبلوماسي ثقته بكلام برّي واقتناعه بنيّاته التسهيل للوصول إلى الحلّ.
لكن في المقابل يتوقّف المصدر نفسه عند بعض الحملات التي تطال عمل الخماسية، والتي تبدو موجّهة ومدروسة للتشويش عليها.
وهو يستعرض أضاليلها بصراحة وشفافيّة كاملتين. يقول:
1- قيل أنّ ثمّة تمايزاً أميركياً داخل الخماسية، وأنّ السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون طرحت نقاطاً خلافية.
فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً. كلّ ما أثارته السفيرة في اجتماعها مع نظرائها، نقطتان منهجيّتان: أوّلاً، هل يتكلّم لودريان في زيارته المقبلة، بصفته ممثّلاً للرئيس الفرنسي، أم باسم الخماسية؟ وثانياً، هل من الممكن البحث في موعد زيارته قبل لقاء السفراء أو بعده؟
وكانتا نقطتين ضروريّتين للبحث، وقد تمّ التوافق عليهما. فلا خلاف ولا تباين إطلاقاً.
2- قيل أنّ هناك تنافساً داخل الخماسية على لعب أدوار منفردة. والصحيح أيضاً عكس ذلك تماماً.
وبوضوح مطلق، يروي المصدر الدبلوماسي أنّه عند زيارة لودريان الأخيرة لبيروت واجتماعه بسفراء الخماسية، “سألت السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا بصراحة: نسمع من الإعلام والسياسيّين اللبنانيين، أنّ هناك موفداً قطرياً أمنيّاً، يجول في بيروت، ويطرح أسماء ثلاثة مرشّحين ضمن فئة الخيار الثالث، وهي قائد الجيش والياس البيسري ونعمت أفرام”.
يكشف المصدر اطّلاع الخماسية على مداولات داخلية للحزب، بينها رأيٌ يقول بأنّه تمّت إضاعة أكثر من سنة، على تعنّت رئاسي غير مجدٍ ولا مثمر
فردّ السفير القطري، ودوماً بحسب ما يرويه المصدر نفسه، بأنّ “هذا الأمر هو من نسج الإعلام اللبناني وبعض سياسيّي بيروت. وأضاف لودريان على كلام السفير أنّه آتٍ لتوّه من قطر، حيث التقى رئيس وزرائها ووزير خارجيّتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وسأله مباشرة عمّا تفضّلت به السفيرة شيا، فنفى ذلك كليّاً وتمنّى على الموفد الفرنسي نقل نفيه لكلّ المعنيّين”.
3- قيل أنّ هناك تنافساً بين الرياض والقاهرة على استضافة الاجتماع المقبل للخماسية على مستوى السفراء أو المندوبين أو حتى وزراء الخارجية. فيما الحقيقة أن لا اجتماع للخماسية الآن لأنّها متمسّكة بنتائج اجتماعها الأخير في الدوحة، وبالبيان الصادر عنه.
وهو ما يختم المصدر الدبلوماسي باستبعاد احتمال بلوغه لأنّه يرى الجميع وقد باتوا أمام لحظة الحقيقة. فالكلّ مأزوم على الرغم من مكابرة هذا أو إنكار ذاك. والجميع يبحث عن وسيلة مشرّفة وآمنة للنزول عن الشجرات العالية التي “كشفت مؤخّرات متسلّقيها”، كما يقول سون تزو في “فنّ حربه”. وهو ما يسعى أصدقاء لبنان كلّهم إلى تحقيقه.
متى؟ لا موعد محدّداً. لكنّ المسار بات واضحاً. ونهاية النفق بادية لعيون الجميع. إلا من أراد التعامي، فله ارتطامات الحيطان أو القعر!