كرّس تكليف رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود رئيس الغرفة السابعة في محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجّار برئاسة النيابة العامّة التمييزية إحكام دولة “التكليف والإنابة” سيطرتها التامّة على المواقع الدستورية والأمنيّة والقضائية والإدارية.
يَختم القاضي غسان عويدات اليوم آخر يوم له على رأس النيابات العامّة منذ تعيينه في هذا الموقع في 13 أيلول 2019 بحفلٍ تكريمي له في العدلية، سبقه عشاء خاصّ ليل الثلاثاء مع بعض القضاة الأصدقاء احتفالاً بعيد مولده.
“يورث” القاضي عويدات القاضي المكلّف جملة ملفّات حسّاسة وأساسية واجهت السَلف بعد أسابيع قليلة من تعيينه، بدءاً من انفجار الشارع وتدحرج كرة الانهيار المالي إلى انفجار 4 آب والعلاقة الملتبسة مع المحقّق العدلي طارق البيطار وملاحقة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وفتح العديد من ملفّات الفساد… والأهمّ استمرار غياب الغطاء السنّي كمرجعية وقرار و”بيت مفتوح”. فعليّاً، واجه عويدات من موقعه كأعلى ضابطة عدلية وضعاً استثنائياً وغير طبيعي، ولا شيء ينبئ بأنّ خَلفه الذي يُحال إلى التقاعد في نيسان 2026 سيكون وضعه أفضل.
القاضي
على الرغم من الجلبة الكبيرة التي أحاطت بهويّة خليفة عويدات فإنّ القرار بتكليف ابن شحيم كان شبه محسوم بدءاً من السراي وصولاً إلى العدليّة، بقطبَيها القاضي سهيل عبود ووزير العدل هنري خوري، مع شبه إجماع قضائي على صفات الحجّار خبرةً وبروفيلاً شخصيّاً يَصعُب أن “يُغبّر” عليه.
كما بَرَز التزام القاضي عبود بتعيين القاضي السنّيّ الأحقّ في هذا الموقع بحكم دَرَجتِه (هو رئيس محكمة التمييز الوحيدة التي يشغلها قاضٍ سنّي راهناً)، فيما كان مطروحاً أيضاً، ضمن آليّة التكليف، اسم المحامي العامّ التمييزي وائل الحسن.
لماذا الغموض؟
معطيان أساسيّان ساهما في إثارة الغموض حتى آخر لحظة قبل التكليف الذي بقيت إشكاليّة صلاحيّة القاضي عبود في إصداره قائمةً بسبب التباين بين القضاة حول مدى صلاحيّة الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز بالتدخّل بشؤون النيابة العامّة التمييزية ومدى “تبعيّتها” له وتكليف من يراه مناسباً عند شغور رأس هرمها:
يَختم القاضي غسان عويدات اليوم آخر يوم له على رأس النيابات العامّة منذ تعيينه في هذا الموقع في 13 أيلول 2019 بحفلٍ تكريمي له في العدلية
– الأوّل يتّصل بالمفاوضات حول سلّة الانتدابات التي كان يمكن أن توسّع الخيارات باتجاه أسماء أخرى من بينها القاضي أيمن عويدات، لكنّها عادت وسقطت بسبب إصرار الرئيس نبيه بري على بقاء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي في موقعه.
– الثاني يتعلّق بمعضلة رئيسة معهد الدروس القضائية والمحامية العامّة التمييزية القاضية ندى دكروب، المعروفة بقدراتها وجرأتها القضائية، لكنّ ابنة شقيقة الرئيس بري تعترف أنّها صاحبة أفضليّة في تسلّم الموقع لأنّها الأعلى درجة بين قضاة النيابة العامّة التمييزية. هكذا أتى قرار تكليف الحجّار مترافقاً مع قرار تكليف دكروب برئاسة الغرفة الثامنة لمحكمة التمييز المدنية خلفاً للقاضي ماجد مزيحم بوصفها القاضية الشيعية الأعلى درجة بين المحامين العامّين.
نكد سياسيّ وقضائيّ
دخل “النكد” القضائي-السياسي بقوّة على خطّ فركشة وصول القاضي الحجار، ومن ضمن الحرتقات التحذير من أنّ التكليف يؤثّر على عمل هيئة محكمة التمييز الفاقدة لنصابها أصلاً أو أنّ الحجار سيخسر موقعه كعضو مجلس عدليّ، فيما الملفّ الأساسي اليوم الذي سيتابعه المجلس العدلي، أي انفجار المرفأ، لا يزال في بداياته.
يُذكَر أنّ القاضي الحجّار أصدر في شباط 2021 من موقعه كرئيس محكمة التمييز الجزائية الناظرة في ملفّ نقل الدعوى المُقدّم من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر للارتياب المشروعِ المُتعلّق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت قراراً قضى بقبولِ الدعوى شكلاً، وفي الأساس قبول طلب نقلِها من يد القاضي فادي صوّان وإحالتها إلى قاضٍ آخر لأنّه طرف في القضية على خلفيّة تضرّر منزله في الأشرفية بالانفجار.
من الظلّ إلى الضوء
جمال الحجّار، أحد قضاة الحِكم الجزائيين، سينتقل من موقعه في الظلّ إلى عمق الملعب السياسي-الأمنيّ-القضائي ليُصبح على تماسّ مباشر مع السلطة السياسية ومع أكبر الملفّات وأكثرها خطورة وحساسيّة، وبعضها يرتبط مباشرة باستدامة الاستقرار الأمنيّ-السياسي أو زعزعته.
دخل “النكد” القضائي-السياسي بقوّة على خطّ فركشة وصول القاضي الحجار، ومن ضمن الحرتقات التحذير من أنّ التكليف يؤثّر على عمل هيئة محكمة التمييز الفاقدة لنصابها
القاضي المعروف بِحَزمِه في الأحكام ومرونته ضمن الضوابط القضائية، صاحب الطابع المَرح والجدّي عند اللزوم، والمُبتعد بالكامل عن موائد السياسيين قد يتلقّى يوميّاً مكالمات ومراجعات من سياسيين يقول من يعرفه إنّه يملك “مناعة” كافية للتصدّي لتأثيراتها على أيّ ملفٍ يتابعه.
دولة “بالوكالة“
المشهديّة في العدلية أعادت تسليط الضوء على تمدّد دولة “بالوكالة” في مفاصل القضاء والسياسة والأمن. يكفي القول إنّ تكليف القاضي الحجار أفرغ موقعاً إضافياً في هيئة محكمة التمييز (فاقدة نصابها منذ كانون الثاني 2022) ليصبح عدد القضاة الأصيلين 2 من 10، وهما رئيس الغرفة الرابعة في محكمة التمييز القاضي عفيف حكيم (درزي) ورئيسة الغرفة الثالثة في محكمة التمييز القاضية سهير الحركة (شيعية)، فيما الغرف الثماني الباقية يشغلها قضاة بالوكالة أو الانتداب.
للتذكير فقد بتنا أمام دولة تُدار برمّتها بالوكالة وبذهنية تصريف الأعمال بدءاً من رئاسة الجمهورية الشاغرة ورئاسة الحكومة السنّية المصرّفة للأعمال والمتّهمة بالاستيلاء على صلاحيّات الموقع المارونيّ الأوّل.
في الإدارات والوزارات مئات المواقع الشاغرة. في القضاء مدّعٍ عامّ تمييزي بالتكليف ومجلس قضاء أعلى وهيئة محكمة تمييز فاقدان للنصاب وعشرات المراكز القضائية الشاغرة، وفي العدلية انتدابات وتكليفات تأخذ طابع “الإيد والإجر”.
أما في العسكر قائد الجيش ممدَّد له، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي مُنِح تمديداً قبل ستّة أشهر من تقاعده.
وفي المديرية العامّة للأمن العام مارونيّ يخلف الشيعي، ونائب حاكم مصرف لبنان الشيعي يصرّف الأعمال وكالة عن “الحاكم” الماروني… ومجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي والمجلس العسكري في قيادة الجيش خارج الخدمة.
جمال الحجّار، أحد قضاة الحِكم الجزائيين، سينتقل من موقعه في الظلّ إلى عمق الملعب السياسي-الأمنيّ-القضائي ليُصبح على تماسّ مباشر مع السلطة السياسية ومع أكبر الملفّات
التمديد لنائب مدير عامّ أمن الدولة
وفق المعلومات، بعد قبول استقالة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا (كاثوليكي) وتعيينه مديراً عاماً مدنياً يتقاعد عند سنّ 64 بدلاً من 59، وبعد التمديد للعماد جوزف عون واللواء عماد عثمان، وبعد تسلّم اللواء الياس البيسري مهامّ المدير العام للأمن العامّ خلفاً للّواء عباس إبراهيم، وفي ظلّ وجود ضابط شيعي وحيد في أرفع موقع أمنيّ هو العميد حسن شقير نائب المدير العامّ لأمن الدولة الذي يُحال على التقاعد في 6 آب المقبل، فإنّ قراراً منسّقاً بين الرئيس بري والحزب والرئيس ميقاتي سيفضي إلى تمديد ولاية العميد شقير لمدّة عامين ضمن آليّة قانونية يشرّعها قانون رقم 17 الذي تتبع له مديرية أمن الدولة لأنّه ضابط اختصاص.
يقول مصدر موثوق لـ “أساس”: “بطبيعة الحال إذا انتُخب رئيس للجمهورية فستحصل مروحة تعيينات واسعة، لكن في حال بقاء الأمر على ما هو عليه سيتمّ التمديد لنائب المدير العامّ لأمن الدولة بوصفه الضابط الوحيد الذي يَشغَل اليوم أرفع موقع أمنيّ شيعي يتابع العديد من الملفّات الحسّاسة، التي بعضها ذات طابع إقليمي مرتبط بملفّات أمنيّة وسياسية واقتصادية لبنانية، ومنها قضية الموقوفين في الإمارات والسعودية، ويحضر اجتماعات مجلس الأمن المركزي”.
فيما تؤكّد المعلومات أنّ القرار يحظى بغطاء الثنائي الشيعي وموافقة الرئيس ميقاتي، فإنّ هذا المركز تحديداً إذا شَغر لا يستطيع أن يَشغَله الضابط الأعلى رتبة، لأنّ مجلس القيادة في أمن الدولة مؤلّف فقط من المدير العامّ ونائبه، وأيّ ضابط غير معيّن بمرسوم بالأصالة أو ممدّد له في مجلس القيادة، لا يستطيع أن يمهر توقيعه على القرارات الصادرة عن المديرية، وعندها تنتقل كلّ الصلاحيّات حصراً إلى اللواء صليبا”.