يجزم الذين يراقبون الاتصالات بين أميركا وإيران، أنّ مخاطر توسّع حرب إسرائيل على غزة نحو جبهة لبنان رفعت التطوّرات الميدانية في الأيام الماضية منسوب المخاوف من اندلاعها. وأنّ التصعيد العسكري بين إسرائيل والحزب سيبقى تحت سقف التواصل والحوار بين واشنطن وطهران. ولن يتعدّى التصعيد المنضبط.
يكشف سياسيون لبنانيون يتسقّطون مستجدّات التواصل بين أميركا وإيران، أنّ عودة الحرارة إلى اتصالات الجانبين حتّمت تطوّراً في التعاطي مع الوضع اللبناني بحيث تبذل الدولتان جهوداً قصوى لإبقاء جبهته تحت السيطرة. خصوصاً إثر التصعيد الذي شهدته جبهات اليمن والبحر الأحمر والعراق وسوريا وجبهة جنوب لبنان منذ أكثر من شهر.
فأميركا تتكفّل بلجم الجنوح الإسرائيلي نحو حرب واسعة. وإيران تبقي الحزب في دائرة الحرص على عدم توسيع الحرب. حرص التزمته طهران منذ عملية “طوفان الأقصى”.
من خلفيّات تأكيد هؤلاء السياسيين لجدّية رفض واشنطن أيّ توجّه إسرائيلي لتوسيع الحرب ضدّ الحزب ولبنان معطيات يملكونها. وهي تفيد بأنّ الجانب الأميركي انتقل إلى مستوى جديد من الحوار مع طهران. بات معه لبنان جزءاً من هذا الحوار. إضافة إلى الأوضاع في دول المنطقة الأخرى. بعدما كان الوضع اللبناني مستبعداً من تبادل الآراء بين الدولتين. ولا سيما من قبل أميركا.
عبد اللهيان مع القرار 1701
يقول هؤلاء إنّ بحث أوضاع لبنان لم يقف عند حدود التوافق على لجم التصعيد في الجنوب. بل تعدّاه إلى الوضع الداخلي كإحدى وسائل ضبط الجبهة. بحيث باتت طهران شريكة في نقاش ما يجري التحضير له من وسائل للجم احتمال الحرب استناداً إلى المعطيات الآتية:
1- وزير الخارجية الإيراني زار بيروت في 10 شباط للمرّة الثالثة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023). وأكّد تبادل الرسائل مع واشنطن لإبلاغها أنّ “الحرب ليست هي الحلّ” من غزة إلى سائر الجبهات. وأضاف إنّه مع تطبيق القرار الدولي الرقم 1701. وتأييد طهران العلني لهذا القرار لم يحصل من قبل. على الرغم من أنّها كانت تترك للحزب أن يعبّر عن الموقف منه.
يجزم الذين يراقبون الاتصالات بين أميركا وإيران، أنّ مخاطر توسّع حرب إسرائيل على غزة نحو جبهة لبنان رفعت التطوّرات الميدانية في الأيام الماضية منسوب المخاوف من اندلاعها
2- ذلك إلى انسجام إيران مع قناعة فرنسا وأميركا بأنّ إطلاق أفكار التفاوض حول تطبيق هذا القرار يسهم في لجم أيّ توجّه نحو الحرب على الجبهة اللبنانية من قبل إسرائيل. وذلك عبر تحرّك وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه والوسيط الأميركي آموس هوكستين بين تل أبيب وبيروت.
فرنسا وأميركا متّفقتان على أنّ وقف الأعمال العسكرية على جبهة جنوب لبنان بات مرهوناً بشرط الحزب وقف الحرب على غزة. وهما تعتبران أنّ هذا التحرّك يخلق دينامية تفاوض تدفع طرفَي العمليات العسكرية إلى إبقائها في مستواها الراهن. وبالتالي انتظار لحظة نجاح صياغة الهدنة في غزة من أجل تنشيط البحث الجدّي في تسوية لتطبيق القرار الدولي.
سفير إيران يسأل عن انتخاب فرنجيّة
3- تعمّق إيران وأميركا في بحث وضع لبنان دفع سفير إيران في بيروت مجتبى أماني إلى استكشاف مواقف بعض القوى السياسية المحلّية في مسألة إنهاء الشغور الرئاسي. مسألة كانت طهران تترك للحزب في السابق أن يتولّاها حين تفاتحها أيّ جهة دولية بالأمر.
وعلم “أساس” في هذا المجال أنّ السفير مجتبى سأل أحد السياسيين اللبنانيين عمّا إذا بات ممكناً انتخاب رئيس تيار “المردة”. خصوصاً بعد سنة ونيّف من الفراغ. وهو مرشّح الثنائي الشيعي.
فجاءه الجواب بأنّ ضمان نصاب الثلثين في البرلمان ما زال العقبة أمام انتخاب فرنجية. إضافة إلى امتناع أيّ من الكتلتين المسيحيّتين الكبريين، “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، عن تأييد فرنجية.
عزّز انخراطَ طهران أكثر في شأن الرئاسة اللبنانية قولُ عبد اللهيان لبعض من التقاهم إنّ لبنان يجب ألّا يعتمد على جهود اللجنة الخماسية لانتخاب رئيس.
إشارات ضبط الردود الميدانيّة
أشهر الحرب الأربعة الماضية أثبتت أنّ كلّ انتقال من درجة إلى أخرى لجهة عمق ونوع الأسلحة في تبادل القصف بين الجيش الإسرائيلي والحزب… يترافق مع إشارات ضمنية بضبط الردود. رغم قناعة داخل إسرائيل وخشية لدى الدول الغربية من أنّ استمرار الحرب واقتحام رفح سيزيدان كلّ يوم مخاطر الحرب في لبنان.
فرنسا وأميركا متّفقتان على أنّ وقف الأعمال العسكرية على جبهة جنوب لبنان بات مرهوناً بشرط الحزب وقف الحرب على غزة
ونعدّد من الأمثلة:
– لم يصدر أيّ بيان، سواء عن الحزب أو غيره، يتبنّى توغّل الاستهداف العسكري أكثر من 20 كيلومتراً. أي قصف الثكنة العسكرية في صفد. وهذه إشارة لإسرائيل وفق لغة قواعد اشتباك مزعومة، إلى أن يبقى ردّها متناسباً ومحسوباً.
– القصف تقصّد تجنّب إصابة مدينة صفد ومدنيين، فاستهدف الثكنة في ضاحيتها، وقتل مجنّدة وجرح ثلاثة عسكريين.
– الجزء الأكبر من القذائف والصواريخ التي يطلقها الحزب في ردّه على القصف الإسرائيلي، يطاول مواقع في منطقة مزارع شبعا المحتلّة. أي مناطق متنازعاً عليها مع إسرائيل. وليس تحت شعار مساندة غزة.
المخاوف من انفلات الجبهة ونتنياهو
لكن إذا كانت القاعدة التي يعتمدها الحزب هي استهداف عسكري مقابل آخر، فإنّ الردّ الإسرائيلي على استهداف عسكريين، لم يتجنّب المدنيين. بل قصف مبنى في النبطية استشهد فيه 7 منهم، وبينهم أطفال. وقُتل أربعة عناصر نعاهم الحزب، إضافة إلى 3 مدنيين في بلدة الصوّانة.
ومع وجود قواعد ضبط الردّ على الردّ، فإنّ ما حصل في النبطية نموذج عن صعوبة التحكّم بدوّامة الردع المتبادل. وهو ما يفتح الباب على إمكان انفلات الأمور. لا سيما إذا حصد تبادل النار عدداً كبيراً من المدنيين. فعندئذٍ يجب الانتقام على غرار ما هدّد به وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أول من أمس. حين قال إنّ مقاتلاته تحمل قنابل ثقيلة يمكنها الوصول إلى 50 كيلومتراً، وتحوم فوق بيروت.
ليس مستبعداً أن يغامر رئيس الحكومة الإسرائيلية بجرّ الولايات المتحدة إلى دعمه في أيّ حرب ضدّ الحزب. لأنّ واشنطن التي تعارض هذا الخيار بشدّة حتى الآن، لن تستطيع البقاء على الحياد
في المقابل، هناك رأي آخر حول دور التواصل الأميركي الإيراني في ضبط جبهة الجنوب واستبعاد الحرب الإسرائيلية لبنان. إذ تتحفّظ أوساط دولية ومحلّية عن جزم هذا التوقّع. وترتكز في هذا الصدد إلى عوامل عدّة نكتفي بذكر الآتي منها:
– نتنياهو كان في 7 تشرين الأول الماضي ضدّ اقتراح وزير دفاعه يؤاف غالانت والمستوى العسكري بشنّ هجوم استباقي على الحزب. كانت حجّتهم عليه يومها الدعول للاستفادة من الدعم الغربي المطلق حينها. لكن قد يلجأ .نيتانياهو إلى هذا الخيار للهروب إلى الأمام إذا ازداد الضغط الدولي عليه للقبول بصفقة تبادل الأسرى والرهائن. تلك التي يرفض اقتراحات “حماس” في شأنها.
وليس مستبعداً أن يغامر رئيس الحكومة الإسرائيلية بجرّ الولايات المتحدة إلى دعمه في أيّ حرب ضدّ الحزب. لأنّ واشنطن التي تعارض هذا الخيار بشدّة حتى الآن، لن تستطيع البقاء على الحياد.
– خيار الحرب في إسرائيل قد يتّكئ على تأييد شعبي لعملية عسكرية تعيد مستوطني الشمال النازحين إلى منازلهم. فاستطلاع رأي أجرته صحيفة “معاريف” أظهر أنّ 71% من الإسرائيليين يعتقدون أنّ على إسرائيل شنّ عملية عسكرية واسعة ضدّ لبنان. وهي نسبة أعلى ممّا كان عليه المزاج الإسرائيلي قبل زهاء شهرين.