ارتفعت وتيرة نشاط اللجنة الخماسية من أجل لبنان. تبدّى ذلك بوضوح مع ارتفاع وتيرة نشاطها من خلال اجتماع أعضائها في مقرّ السفارة السعودية في بيروت، وذلك بهدف إنعاش ملفّ رئاسة الجمهورية الذي أصيب بشغور منذ نحو عام.
المجتمعون الذين يعملون على أكثر من خطّ أسقطوا ما تسرّب عن خلاف سعودي ـ أميركي حول الرؤية لخريطة طريق تعالج التعقيد اللبناني السياسي المفتوح على مروحة متعارضات تبدأ من تطبيق الدستور وصولاً إلى الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلّة.
الحضور السعوديّ في الإقليم والعالم
جهد اللجنة الخماسية الجماعي، ومنه الفردي الذي يبذله السفراء وإن كان لا يندرج في سياق التنافس بقدر ما هو محاولات جادّة لتفعيل الحركة السياسية للإجابة على اليوم التالي بعد الحرب في غزة، وإن أمكن قبل ذلك لإبعاد لبنان عن الحرب المفتوحة في غزة. ولئن بدا هذا على شيء من الصعوبة في ظلّ إصرار الحزب على تأجيل كلّ نقاش في السياسة بانتظار وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، إلا أنّ ما تبدّى بوضوح أعلى وأشدّ هو التفاهم السعودي ـ الإيراني، وكذلك التفاهم السعودي الأميركي. وهذا ينشطر إلى مستويين:
ـ على المستوى الأول، فقد ساعد التفاهم السعودي ـ الإيراني على تفعيل العلاقات في المحيطين العربي والإسلامي، وهذا ما ظهر جليّاً في القمم العربية والإسلامية التي ذهبت إلى أبعد ما يمكن في دعم صمود غزة.
ـ أمّا على مستوى التفاهم السعودي ـ الأميركي فقد فتح أفقاً سياسياً في ظلّ الجحيم التي أصلته إسرائيل على غزة، وكان موقف الرياض المرتفع السقف ضابطاً للاندفاعة الأميركية في تغطية الكيان الإسرائيلي.
في اللجنة الخماسية الخاصّة بلبنان، قوة دفع ثنائية سعودية أميركية يخرجها الفرنسي بجولات الموفد الرئاسي جان إيف لودريان الدبلوماسية لما لفرنسا من باع سياسي في البلد وقدرة على الحوار مع الحزب
لكن في الحالين ما يستدعي التنبّه إلى حجم الدور السعودي المتنامي في المنطقة من خلال التفاهمات الإقليمية والدولية التي صاغتها المملكة في وقت أسبق على حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) يوم عبور الفلسطيني في أرضهم وعليها. وإذا كانت التفاهمات السعودية شكّلت نوعاً من الضمانات لضبط دائرة الحرب وفتح أفق سياسي، بقي أنّ القلق في الحراك الإيراني الذي يدخل إلى المنطقة عبر توتير الإقليم، والذي سيستمرّ ما دام “القلق هو عنوان العلاقة بين طهران وواشنطن” على ما قال مصدر دبلوماسي لـ “أساس”، إذ تبقى الأمور في دائرة “التواطؤ على عدم انفجار الإقليم” حتى الساعة.
سياسة وليّ العهد السعوديّ
تفعيل الوجهة السياسية السعودية الجديدة نحو المنطقة والعالم يأتي ترجمة لسياسة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك تجسيداً لدور بلاده على المعنيَيْن الإسلامي والعربي. وفي هذا السياق حصل التفاهم السعودي ـ الإيراني، وكذلك تفعيل العلاقات بين الرياض وواشنطن. ذلك أنّ جوهر سياسة وليّ العهد هو النموّ الذي يريده للمنطقة من الخليج إلى المحيط، لكن دون ذلك حاجة ماسّة إلى الاستقرار السياسي. هذا الاستقرار عبّر عنه السفير المصري علاء موسى إثر زيارته الرئيس نبيه بري وقوله إنّ توسيع الخماسية ليس مطروحاً بقدر ما أنّ المطروح هو توسيع مروحة التعاون مع “الأصدقاء في الإقليم”. والتعاون هذا يعني في ما يعني الأخذ بالاعتبار جدّياً الوزن السياسي لكلّ من تركيا وإيران، على ما قال مصدر مطّلع لـ “أساس”، مشيراً إلى أنّ التقارب السعودي ـ الإيراني كانت أولى نتائجه توافقاً وتفاهماً على عودة سعودية عريضة إلى لبنان وسوريا.
في هذه المقاربة يجب استعادة موقف المملكة من سوريا في القمّة العربية، كما استعادة موقفها من عودتها إلى لبنان، إذ اشترطت مساراً دستورياً واضحاً، ودخولها إلى غزة في اليوم الذي سيلي الحرب، وهي قوة عربية قادرة على النهوض بغزة وبأهلها، مع ما سيصاحب ذلك من نفوذ في كلّ من الدول الثلاث المنكوبة لبنان وسوريا وفلسطين.
تفعيل الوجهة السياسية السعودية الجديدة نحو المنطقة والعالم يأتي ترجمة لسياسة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك تجسيداً لدور بلاده على المعنيَيْن الإسلامي والعربي
لبنانيّاً، في الشكل كان لافتاً لقاء السفيرين السعودي وليد البخاري والإيراني مجتبى أماني في اليرزة في دارة الأوّل. وفي المضمون نقلت أجواء عن لقاء السفير الإيراني مع رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط وصل إلى التفاهم على تشجيع الدور السعودي في لبنان.
في الشكل أيضاً اجتمعت الخماسية في دارة البخاري مؤكّدة تماسكها في مقاربتها اللبنانية في الملفّين الرئاسي والأمنيّ. وعليه فإنّ التفاهمات المقبلة في المنطقة، كما تتحدّث عنها مصادر دبلوماسية عربية، ستكون تفاهمات سعودية إيرانية ليست بعيدة عن المظلّة الأميركية بطبيعة الحال.
في اللجنة الخماسية الخاصّة بلبنان، قوة دفع ثنائية سعودية أميركية يخرجها الفرنسي بجولات الموفد الرئاسي جان إيف لودريان الدبلوماسية لما لفرنسا من باع سياسي في البلد وقدرة على الحوار مع الحزب تحديداً. وتؤكد مصادر دبلوماسية أنّ عامل الثقة بين فرنسا والحزب لم ينكسر بعد حرب غزة.
في المقابل، سيحصل الدخول السعودي إلى غزة بعد الحرب تحت مظلّة الاتفاق الدولي برعاية واشنطن، وإلى بيروت عبر توافق عامّ على مسار البلاد من دون كسر أحد من القوى، لكن من دون غلبة أحد منها أيضاً، ودائماً في ظلّ النفوذ الأميركي الحاضر دائماً في لبنان. وفي سوريا لاحقاً عبر إيجاد الحلّ السياسي وإعادة الإعمار.