اختبرت القوى المتصارعة أو المتنافسة على رقعة الشرق الأوسط تجربة “وحدة الساحات أو الجبهات”. وهي المعادلة التي استمرت إيران تلوح بها منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، ولا تزال إلى اليوم. فيما كانت المساعي الأميركية في المقابل ردعية، لمنع ايران من الانخراط بشكل واسع في هذه الحرب.
الرد بالمثل
عملت طهران على تطبيق رمزي لوحدة الجبهات، من لبنان إلى العراق واليمن، واضطرت للتدخل المباشر من خلال تنفيذها عمليات عسكرية ضد أربيل وباتجاه باكستان. في المقابل، عمل الأميركيون على رسم الحدود اللازمة، بتوجيه ضربة للإيرانيين في العراق، وبالتكافل والتضامن مع اسرائيل في سوريا. كما عملت واشنطن على توجيه ضربات للحوثيين في اليمن، مع تصنيفهم إرهابيين، واعطاء مهلة شهر لدخول القرار حيز التنفيذ، على أن يبقى قابلاً للتعديل في حال توقف الحوثيون عن عملياتهم في البحر الأحمر.
عملياً، فإن معادلة وحدة الجبهات الإيرانية، ردت عليها أميركا بالمثل، مع رغبة واضحة لدى الطرفين بعدم الانخراط الجدي في أي حرب واسعة أو شاملة. الضربات في العراق للحشد الشعبي، والضربات في اليمن، بالإضافة إلى رد باكستان وبقاء الحدود الإيرانية الأفغانية خاصرة رخوة قابلة لتهديد إيران من الداخل، بالإضافة إلى قدرة الأميركيين والإسرائيليين على توجيه ضربات لحلفاء طهران، يجعل إيران خاضعة أيضاً لمعادلة “تنويع الجبهات ضدها”، وإشغالها في الكثير من الأحداث والإشكالات أو المعارك، سواءً في الداخل أو الخارج. وهذا ما يفترض أن ينتج معادلة صفرية.
المعادلة الصفرية
لبنان مشمول أيضاً بمعادلة “توازن الردع” أو المعادلة الصفرية ربطاً بالضربات التي يوجهها حزب الله باتجاه اسرائيل، أو الضربات التي يشنها الجيش الإسرائيلي باتجاه مواقع الحزب. تلك المعادلة تبقى معززة بالمفاوضات السياسية والديبلوماسية لتجنب توسيع إطار الصراع. وهو ما يعمل عليه الأميركيون والأوروبيون. فبعد مغادرة هوكشتاين بيروت وصلت إلى العاصمة اللبنانية رسائل تهديد وتخويف جديدة حول أن قرار الحرب ضد حزب الله في إسرائيل قد اتخذ. وبالتالي، لا بد من منع توسيع الجبهة وإبرام اتفاق حول الحدود.
انطوت زيارة هوكشتاين على تسريبات متعددة، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وصولاً إلى ما نشر مؤخراً عن أن حزب الله رفض المقترحات الأميركية. ولكن عملياً، ما رفضه حزب الله معروف سلفاً ويتعلق برفض التراجع إلى ما بعد نهر الليطاني، ورفض وقف العمليات العسكرية طالما الحرب مستمرة على غزة. أما ما بعد الحرب، فإن التفاوض سيكون متقدماً، ويتصل بخلق معادلة ردع جديدة، وهي ضمانات لإسرائيل بأن لا يشن الحزب عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى، مقابل ضمانات للبنان بانسحاب اسرائيل من النقاط الـ13 والبحث في معالجة وضع مزارع شبعا ووقف الإنتهاكات.
ثلاث نقاط
تؤكد مصادر سياسية متابعة أن كل الكلام السلبي الذي يقال عن زيارة هوكشتاين مبالغ فيه بشدة، فهو جاء حاملاً أفكاراً، وبالعناصر التي تجنّب لبنان حرباً مع اسرائيل، وهذه العناصر تقوم على مجموعة نقاط. أولاً، ترسيم الحدود. ثانياً، ترتيب الوضع الأمني، وثالثاً التسوية السياسية.
في النقطة الأولى، يريد تخفيض التوتر على الحدود والعمل على إعادة احياء القرار 1701 وبكل مندرجاته من الطرفين. أما في النقطة الثانية، فهو أكد أن اسرائيل لن تتسامح أبداً إزاء احتمال شن عملية كعملية طوفان الأقصى من لبنان، ولذلك تبحث عن خطوات وقائية. ولذا، يجب على الجميع العمل لمنع توسيع الحرب وتوفير ضمانات لأمن إسرائيل وسكان المستوطنات الشمالية. وهذا يفترض أن يكون له بعد مستقبلي أيضاً. أما في النقطة الثالثة السياسة، فهو اعتبر أنه لا يمكن القيام بكل ما سبق خصوصاً حول الوضع الأمني والتفاوض وترسيم الحدود، إلا بعودة آلية الدولة اللبنانية إلى العمل والتي تتعلق بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة.
وتضيف المصادر، لم يكن هوكشتاين ليأتي إلى لبنان لولا حديث نصرالله عن الفرصة التاريخية لاستعادة الأراضي المحتلة وتحريرها. فكلام نصرالله اعتبر رسالة إيجابية لتبريد النزاع من جهة وتحصين الحدود من جهة ثانية. كذلك تشير المصادر إلى أنه بعد لقاء هوكتشاين بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في دبي، سأل المبعوث الأميركي بو صعب عن حصوله على تفويض من الثنائي الشيعي للتفاوض. وقد حصل الأخير على هذا التفويض، فالتقى به في روما. وعلى أساسها حددت الزيارة إلى بيروت. ولكن ما حصل بعد ذلك هو أن الإسرائيلي لجأ إلى التصعيد، في محاولة منه لفرض أمر واقع.