الأفكار التي طرحها الوسيط الأميركي مستشار البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة آموس هوكستين خلال زيارته لبنان في 11 و12 الجاري هي أقل من صيغة تطبيق القرار الدولي 1701، وسط قناعة بأنّ إسرائيل غير جاهزة لتقديم التنازلات المطلوبة لتنفيذه، خصوصاً أنّ جيشها لم يُنجز ما أطلق الحرب ضد غزة بعد، فضلاً عن أنّ «حزب الله» من جهته ليس مستعداً للبحث في التنازلات التي يفرضها القرار عليه، قبل أن تتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
يستنتج بعض الذين التقوا الوسيط الأميركي من لهجته أنه ليس بعيداً عن القناعة بأن تحقيق الضمانات لتنفيذ القرار الدولي بات مرتبطاً بالترتيبات التي تعقب إنهاء الحرب في غزة.
اكتفى هوكستين باقتراح انسحاب (ولو جزئي) بمسافة ليس بالضرورة أن تكون إلى شمال الليطاني، لمقاتلي «حزب الله» وسلاحهم، بهدف طمأنة النازحين من المستوطنات في الشمال الإسرائيلي، كي يعودوا إلى منازلهم. وحين سأله رئيس البرلمان نبيه بري ما هي الخطوة المقابلة من الجهة الإسرائيلية أجاب بأن ما يهم الأخيرة إعادة النازحين في شمال إسرائيل إلى بيوتهم، لأنّ الحكومة هناك لا تستطيع احتمال بقاء هؤلاء خارجها طويلاً. ولما سأل بري عن عدد النازحين من شمال الدولة العبرية تبين أنهم ثمانين ألفاً، أي العدد نفسه من النازحين من القرى الجنوبية الحدودية. شدد بري على أنه يقوم بجهد من أجل الحؤول دون انتقالهم إلى بيروت ومحيطها، ليكونوا قريبين من قراهم حتى يعودوا إليها في أقرب وقت.
اعتبر بري في تعليقه على قضية النازحين بأنّه على الوسيط الأميركي أن يقبل بمعاملة الجانب اللبناني مثلما يقبل بالنسبة إلى مطالب الجانب الإسرائيلي. ولذلك رأى أن وصفة القرار 1701 هي الحل لكل المواضيع لأنّ في نصه معالجات لكل جوانب المشكلة، سواء المتعلقة بالجانب الأمني والعسكري أو بالحدود، ما يغني عن التطرق إلى تفاصيل من خارج نص القرار. وذكّره بما كان أبلغه به خلال زيارته الأخيرة (في نهاية شهر تشرين الأول الماضي) عن جاهزية الجانب اللبناني للبحث في تنفيذ كامل القرار بحيث يلتزم الجانبان أي لبنان وإسرائيل بما ينص عليه.
وكان بري لفت الوسيط الأميركي إلى أنّ القرار الدولي ينص على السلاح خارج إطار الشرعية (في منطقة جنوب الليطاني) وبالتالي ليس على سحب المقاتلين لأنّ هؤلاء أبناء المناطق والقرى فإلى أين يذهبون؟
قبل زيارة هوكشتاين، طُرحت أسئلة كثيرة شككت بإمكان نجاح مهمته في إيجاد صيغة لتطبيق القرار 1701. من أسباب هذا التشكيك:
– أنّه ليس هناك تصور أميركي واضح من أجل إنجاح هدف تطبيق القرار الدولي لتجنب تدحرج الوضع العسكري بين إسرائيل و»حزب الله». فالجانب الأميركي لا يملك حتى تصوراً من أجل إنهاء الحرب في غزة وحول اليوم التالي.
– أنّ معطيات توفرت لجهات لبنانية بأنّ جهات أميركية، بينها وزارة الخارجية غير متحمسة لمهمة هوكستين، معتبرة أنّ صفته كمستشار الرئيس جو بايدن للطاقة أدت إلى ترسيم الحدود البحرية، لا تعني توليه الوساطة حول الوضع العسكري بين إسرائيل ولبنان وترسيم الحدود البرية، بينما حجته هو أنّ وساطته السابقة حققت إنجازاً لجهة تمكين إسرائيل من الإنتاج من حقل «كاريش» النفطي والغازي في إسرائيل، لتأمين الطاقة لأوروبا، وفي هذا مصلحة أميركية. وسعيه لتفكيك عوامل الانفجار على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية يتطلب طرح مسألة الحدود، لتفادي مواجهات تهدد أمن إنتاج النفط والغاز الإسرائيليين، وأنّه يعمل لحماية الإنجاز السابق.
الانطباع بأنّ هم الوسيط الأميركي منع توسع الحرب، وأنّ الجانب الإسرائيلي ليس مستعداً لحلول مع لبنان في ظل استمرار صعوبات تحقيق أهدافه في غزة، واتساع الحملة الدولية ضد فظاعات جيشه هناك، وتصاعد الخلافات الداخلية الإسرائيلية، دفع الجانب اللبناني إلى إبقاء البحث مفتوحاً مع هوكشتاين، فاتُفق على جوجلة الأفكار التي طُرحت، وعلى استمرار التواصل من أجل التوصل إلى تفاهم عندما يحين وقته. فالتحضير للأفكار الممكنة للحلول، هو نوع من ملء الوقت، تحت سقف إبقاء المواجهات العسكرية على الجبهة الجنوبية مضبوطة، بقرار أميركي وآخر إيراني، من دون انزلاقها إلى توسيع للحرب، وسط المخاطر التي يطرحها تصاعد الصراع في البحر الأحمر.