هل على لبنان أن يتعاطى مع التهديدات الإسرائيلية بجدية أكبر؟ وهل يمكن لهذه التهديدات أن تتحول إلى أفعال، أم أنها تبقى في سياق المواقف المعلنة والموجهة إلى الداخل الإسرائيلي من جهة، والهادفة لرفع شروط التفاوض؟ لا تزال الصورة غير واضحة، لكن الأكيد أن المواجهات في الجنوب تتوسع شيئاً فشيئاً، لتصبح أكثر عنفاً وأذية. إنها حرب غير معلنة، ومختلفة عن ما كانت عليه الحروب السابقة، لكن من غير المعروف إذا كانت ستتوسع لتصبح حرباً شاملة أو مفتوحة وتطال المزيد من القرى والمدن. وهي طبعاً ليساً حرباً تنطوي على اجتياح برّي، إنما ضربات مركزة تستهدف مواقع حزب الله ومراكزه. أما في المفاوضات فيشترط الإسرائيليون أن لا يعود الحزب لبناء هذه المواقع والتمركز فيها.
الحزب الواثق
لا يزال لبنان يتلقى رسائل متناقضة ومتضاربة، بعضها يشير إلى أن المفاوضات السياسية والديبلوماسية يمكنها أن تفضي إلى حلّ يسحب فتيل التصعيد الكبير. في مقابل رسائل أخرى تشير إلى جدية الإسرائيليين في تهديداتهم، وبأنهم سيصلون إلى مكان فيه إحراج كثير في حال عدم إقدامهم على تنفيذ أي عمل عسكري يحقق لهم نتائج. وبالتالي، يمكن أن يتورطوا ويورطوا العالم معهم.
حزب الله لا يزال على موقف واضح يبلغه إلى كل من يتواصل معه، بأنه غير معني بكل التهديدات، وسيواصل عملياته العسكرية طالما الحرب على غزة مستمرة. وأنه بعد توقفها سيعود الوضع إلى ما كان عليه قبل طوفان الأقصى. ولكن في جزء من الردود الإسرائيلية والدولية على هذا الكلام، بعض من التهويل، باعتبار أن الإسرائيليين لن يقبلوا بأن يكون الحزب هو الذي يفرض شروطه، وليس بالضرورة أن ينطبق ما يقوله أن المواجهة في جنوب لبنان ستتوقف بمجرد توقف الحرب على قطاع غزة. إنما قد يلجأ الإسرائيليون الى تحويل المعارك نحوه. لكن الحزب يبدو واثقاً مع عدم حصول ذلك، لأن الإسرائيلي غير قادر وسيتكبد أكلافاً كثيرة.
وسائل لنزع الألغام
في العام 1982، وقبل حوالى ثلاثة أشهر من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، زار الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران إسرائيل، وأطلق تصريحاً يشير فيه إلى وجوب إبعاد المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان، ووقف العمليات العسكرية. لكن اللبنانيين تعاطوا باستخفاف مع هذه الرسالة، ووضعوها في خانة التهويل والتهديد. بعدها بأسابيع بدأ الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت.
حالياً هناك من يعيد التذكير بتلك الوقائع ويشير إلى ضرورة أخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد، والذهاب إلى البحث عن حلّ سياسي وديبلوماسي.
حتى الآن وعلى الرغم من كل التصعيد العسكري المشهود في الجنوب، والتهديدات والرسائل التي يتم ايصالها إلى لبنان، تبقى هناك وسائل متعددة لنزع الألغام، أو سحب الذرائع للتصعيد العسكري.
على أي حال، هناك وجهات نظر تشير إلى أن أي اتفاق سيتم الوصول إليه، لا بد أن يمر بعد ضربة كبيرة تكرس اتفاقاً جديداً، وفق قاعدة طبخه على نار حامية وليس على البارد. وبمعنى آخر، إن أي قرار أو اتفاق مهم في جنوب لبنان وعلى الجبهة مع اسرائيل، لا بد أن يحصل بناءً على ضربة عسكرية أو بالأحرى بعد مواجهة. خصوصاً أن ضربات الحزب للإسرائيليين ستكون قاسية ومؤذية. وقد لا تكون هذه الضربة هي عبارة عن حرب شاملة، إنما معركة من ضمن المعارك بين الحروب.