ليس من المصادفة العفوية أن تُعلن «حركة المقاومة الإسلاميّة – حماس» في لبنان، تأسيس وإطلاق «طلائع طوفان الأقصى» بالتزامن مع تطور المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية في قطاع غزّة، ومع المطالبة بتطبيق القرار 1701 في لبنان، ومع استحقاق انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون في 10 كانون الثاني المقبل، والجدل المتصاعد حول الخطر الذي يتهدد لبنان. كأنّ الخيار بات محصوراً بين سلطة الجيش اللبناني والشرعية على الأرض، وبين خلق قيادة بديلة لـ«حماس» خارج غزّة.
منذ انتهاء الهدنة في قطاع غزّة، مع بداية كانون الأول الحالي، بدأت مرحلة جديدة من الحرب التي تشنّها إسرائيل على حركة «حماس» وعنوانها المعلن القضاء على هذه الحركة التي تعتبر إسرائيل أنّها تجاوزت كل الخطوط الحمر والمحظورات في هجومها الذي شنّته على غلاف غزة في 7 تشرين الأول الماضي في عملية «طوفان الأقصى». في المرحلة الأولى من الحرب المدمّرة، استطاع الجيش الإسرائيلي أن يعزل شمال قطاع غزّة عن جنوبه، وأن يحاصر المدينة ويستمرّ في العمل على السيطرة على الأرض والقضاء على ما تبقّى من مقاومة لدى «حماس» فوق الأرض وتحتها. ومع بدء المرحلة الثانية توسّع الهجوم نحو الجنوب تمهيداً لعزل وسط القطاع عن شماله وجنوبه مع استهداف أساسي لمنطقة خان يونس حيث تعتبر إسرائيل أنّ قيادة «حماس» تتحصّن فيها، وتحديداً يحيى السنوار ومحمد ضيف، قائدي الحركة الأساسيين في داخل القطاع.
«حماس» تواجه قدرها في غزّة
بعيداً عن السرديات الإعلامية التي تتحدّث عن غرق إسرائيل في مستنقع القطاع، وعن انتظار مقاتلي «حماس» والفصائل الأخرى لتدمير وحدات الجيش الإسرائيلي والصمود، يبدو أنّ الموازين العسكرية على الأرض تذهب في الإتجاه المعاكس لهذه السرديات. فالجيش الإسرائيلي يتمتّع بتفوّق كبير وباستنفار لا سابق له، ويحشد كل الطاقات لحسم المعركة من دون الأخذ بالإعتبار الخسائر البشرية والمدنية، بينما تعيش حركة «حماس» منذ عملية «طوفان الأقصى» حالة من الحصار العسكري والضغط الشعبي والدولي، بحيث أنّها تستطيع أن تقاوم وأن تُنزِل خسائر في الجيش الإسرائيلي، ولكنّها بفعل الحصار وعدم القدرة على تجديد ترسانتها العسكرية، ستجد نفسها مع الوقت في حال استنزاف سياسي وعسكري وشعبي، بحيث سيكون عليها في نهاية الأمر التسليم بالأمر الواقع والخروج من المعركة. ولكنّها لن تعلن الإستسلام وستنقل المواجهة إلى ساحة أخرى هي لبنان.
يحيى السنوار واسماعيل هنية والقيادة البديلة في لبنان؟
أهم سلاح بيد «حماس» ليس الصواريخ والمقاتلين بل الأسرى والرهائن. راهنت الحركة على هدنة طويلة تتيح لها المفاوضة والنجاة من أجل استكمال عمليات التبادل، ولكن الثمن الذي طلبته الحركة لا يمكن أن تقبل إسرائيل بدفعه، إذ لا طاقة لها على إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، من دون أن تكون حقّقت أي إنجاز عسكري على الأرض يؤمن لها ترميم هيبة جيشها. ولذلك قرّرت استئناف العمليات العسكرية وتوغّل جيشها في جنوب القطاع المحاصر، معتقدة ربما بأنّها يمكن أن تفرض على الحركة إطلاق سراح الرهائن مقابل القبول بخروج قيادتها من القطاع. مع هذا التطور صدر عن حركة «حماس» بيان تأسيسي وإطلاق «طلائع طوفان الأقصى».
في البيان وفي طريقة صدوره نقاط عديدة يجب التوقّف عندها:
• البيان- النداء ليس مجرّد منشور إعلامي، إنّما هو إعلان حرب عن قيادة «حماس» فرع لبنان. فهو يبدأ بما يلي: «صدر عن حركة حماس – لبنان البيان الآتي». يعني ذلك أن ثمّة قيادة للحركة باتت موجودة في لبنان وهي بديلة عن قيادة «حماس» في قطاع غزّة، وأنّ هدف إسرائيل بالقضاء على قيادة «حماس» سقط عملياً ولن يتحقّق بسبب وجود قيادة أخرى للحركة خارج القطاع، وهي تتولّى متابعة المعركة حتى لو احتلت إسرائيل كل قطاع غزّة واختفت قيادات الحركة هناك.
• يتوجّه البيان – النداء إلى الفلسطينيين في لبنان: «يا أبناء شعبنا الفلسطيني في لبنان. أيّها المجاهدون الأبطال».
• ينطلق البيان – النداء من أساس فكر الحركة الإسلامي وهي آية يؤمن بها «حزب الله» ويطبقها كما سائر الحركات الإسلامية الأصولية، وفيها «انطلاقاً من قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
• يعتبر البيان – النداء أنّ دور الشعب الفلسطيني في لبنان في مقاومة الإحتلال طبيعي ولا يحتاج إلى إذن أو موافقة محلية، وكأن لا وجود لدولة لبنانية وحتى لما يشبه الدولة. ولذلك اعتبرت «حماس» أنه بإمكانها إصدار القرار العسكري بتشكيل «طلائع طوفان الأقصى» من دون مراجعة أحد، وكأنّها سيّدة الساحة المحلية ولا سلطة فوق سلطتها. جاء في البيان: «تأكيداً لدور الشّعب الفلسطينيّ في أماكن تواجده كافة، في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة. واستكمالاً لما حقّقته عمليّة «طوفان الأقصى»، وانتصاراً لصمود شعبنا الفلسطيني الصابر ومقاومتنا الباسـلة، وما قدّمه شعبنا من صمود وتضحيات.
وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية. تعلن حركة المقاومة الإسلاميّة – حماس في لبنان، تأسيس وإطلاق «طلائع طوفان الأقصى». فيا أبناء شعبنا، أيّها الشباب والرّجال الأبطال، انضمّوا إلى طلائع المقاومين، وشاركوا في صناعة مستقبل شعبكم، وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك».
أين حركة «أمل»؟
لا يحتاج النصّ الواضح إلى توضيح يخفّف من خطورة ما أقدمت عليه «حماس». منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» تصرّفت الحركة وكأنّ لبنان هو الساحة البديلة عن قطاع غزّة، بغضّ النظر عن وجود قيادات أخرى في قطر وتركيا مثلاً، وعملت على أن تنتقل قيادتها إليه متوقّعة نهاية غير سعيدة لقيادتها في غزّة. وبالتالي تعتبر الحركة أن تأكيد وجودها عسكرياً وقيادياً في لبنان يعني إسقاط هدف إسرائيل من الحرب بالقضاء عليها. ولذلك صار لبنان مقرّاً لممثلي الحركة والناطقين باسمها الذين خرجوا إلى الأضواء سريعاً وكأنّهم كانوا حاضرين للمهمة. ولكن هل يتحمل لبنان مثل هذه المغامرة الحمساوية؟ وهل يقبل «حزب الله» بمثل هذا الدور الحمساوي؟ وهل يستطيع أن يضمن استمرار سيطرته العملانية على الأرض في الجنوب أم أنّه سيجد نفسه بعد وقت في مواجهة قوة حركة «حماس»؟
وهل تقبل «حماس» التي تعتبر أنها أعطت درسا للجميع، بمن فيهم «حزب الله»، في عملية «طوفان الأقصى» أن تكون تحت سلطة الحزب وقيادته؟ وبالتالي هل يقبل الحزب أن تكون هناك مرجعية سنية مقاوِمة موازية له وقاتلت ضدّه في سوريا؟ وهل يقبل بأن تحضن هذه المرجعية مثلاً تنظيمات سنية تنخرط معها؟ وهل تقبل السلطة الفسطينية مصادرة «حماس» قرارها في لبنان وفي المخيمات؟ وماذا عن موقف حركة «أمل» الساكتة وغير المشاركة في أي عملية عسكرية على رغم أنّها كشفت أكثر من مرّة عن تدريبات لعناصرها وعن تحضيرات عسكرية وتجهيزات؟ هل تقبل الحركة أن يعود الجنوب ساحة للسلاح الفلسطيني؟ وهل تسكت عن محاولة «حزب الله» الإستعانة بهذا السلاح للتعويض عن التقصير في القتال وفي دعم «حماس» في غزة لتأتي «حماس» وتدعمه في لبنان؟
دور الجيش والقرار 1701
تريد «حماس» أن تستفيد من الجو الفلسطيني الذي تحمّس لعملية «طوفان الأقصى» لكي تحاول السيطرة على المخيّمات في لبنان. ومن هذه الزاوية يمكن فهم أسباب اندلاع الإشتباكات في مخيّم عين الحلوة آخر تمّوز الماضي في عملية استباقية لعملية «طوفان الأقصى» وتصدّي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة «فتح» لهذه المحاولة. ومن هذه الزاوية أيضاً يمكن فهم أسباب محاولة ربط تلك الإشتباكات بحضور رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج إلى بيروت واجتماعه مع مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي، وكأنّ هناك تنسيقاً بين الطرفين سبق اشتعال الإشتباكات في المخيّم. صحيح أن «حماس» لم تعلن أنّها مشاركة في العمليات، ولكن السلطة الفلسطينية كانت تدرك أن المجموعات الأصولية في المخيّم محسوبة عليها ومدعومة من «حزب الله» وإيران.
من هذه الزاوية يُطرح موضوع الحفاظ على دور قيادة الجيش، وعلى بقاء قائده العماد جوزاف عون في موقعه. هل الخيار بات بين أن يكون الدور المستقبلي للجيش اللبناني وتطبيق القرار 1701، وبين أن يكون لحركة «حماس» في لبنان؟ وهل يقبل رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري بأن يعود الأمن في الجنوب فلسطينياً؟
ولكنّ السؤال يبقى أيضا مطروحاً حول دور الجيش في الجنوب وفي كل لبنان، وفي تطبيق القرار 1701 لتجنيب لبنان خطر الإعتداءات الإسرائيلية أو الحرب الكبرى. وهل هذا الدور مرتبط ببقاء العماد جوزاف عون في موقعه والقبول بالأمر الواقع أم في محاولة تغييره؟ وبالتالي هل القبول بتمديد سن التقاعد يجب أن يقترن بخطة مواجهة لحماية لبنان من الإنزلاق نحو خطر التدمير؟