تكاد الصورة تكون متعارضة كلياً، بين ما حدث في غزة صباح السابع من تشرين الأول، وما يحدث على جبهة الجنوب، منذ صباح الثامن من تشرين وإلى اليوم.
ففي حين نفّذت حركة «حماس» أجرأ وأضخم عملية في العمق الإسرائيلي، منذ العام 1948 وإلى اليوم، يتخذ «حزب الله» في الجنوب سياسة الحذر، معتمداً أسلوب التوتير المدروس، على الرغم من فارق القدرات العسكرية والتنظيمية، وعلى الرغم من طبيعة الجغرافيا، التي تحاصر «حماس» في حيز ضيق، في حين تفتح أمام «حزب الله»، مدى جغرافياً من الصعب على الطيران الاسرائيلي ضبطه.
فيما ينقل عن «حزب الله» أنّ قواعد الاشتباك (المبتكرة خلافاً للقرار 1701) لم تخرق إلى الآن، وهذا سيعني استمرار الاشتباك بخطوطه الحمر، على الأقل من جهة «الحزب»، الذي سارع إلى اللحاق بمشروع الهدنة في غزة، واضعاً جبهة الجنوب في خانة الهدنة، ذلك إذا التزمت إسرائيل، بالتوقف عن القصف والغارات.
هذا يعكس قراراً من «حزب الله»، وبالتالي من إيران بعدم الانتقال من المناوشات إلى الحرب، وبالبقاء في المنطقة الآمنة، واللافت أنّ تلك المعادلة ما زالت سارية، على الرغم من استهداف إسرائيل اجتماع القياديين، ومن بينهم نجل النائب محمد رعد.
هذا يعكس أيضاً، تموضعاً للحزب مناقضاً لمسار الحرب الشاملة، في وقت تبدو اسرائيل أقرب إلى اعتماد سياسة ميدانية استدراجية، القصد منها توجيه ضربة كبيرة، تؤدي الى تغيير المعادلة القائمة منذ العام 2006 إلى اليوم، تحديداً في منطقة جنوب الليطاني وصولاً الى الخط الأزرق ومزارع شبعا.
وهكذا تكون عملية غلاف غزة، التي صعقت اسرائيل في الجبهة الجنوبية، مدخلاً إلى تصعيد في الشمال، تريد له اسرائيل أن يكون مجازاً، عملية «غلاف الليطاني»، أي عملية ضغط دبلوماسي مدعومة بالتهويل العسكري، لفرض تطبيق القرار 1701 ببنده الأهم الذي لم يطبق، والذي ينص على تجريد السلاح، ومنع المسلحين بين الليطاني والخط الأزرق.
يدرك «حزب الله» هذه الوقائع، ولهذا لن يندفع إلى رفع وتيرة الاشتباك، كي لا يستدرج الى ما تريده اسرائيل، وهذا ما سيترك غزة وحيدة في الحرب، لأنّ لجبهة الشمال اعتبارات مختلفة وحسابات تتخذها إيران، وتحسبها بميزان الذهب.
لن يكون السؤال بالنسبة لمسار الحرب، محصوراً بمعادلة «هل ستقوم اسرائيل بعمل عسكري ضد الحزب؟»، بل «متى ستنفذ هذه الحرب؟»، ففي ظل التوازنات التي أنتجتها عملية «طوفان الأقصى»، فقدت اسرائيل ومستوطناتها، أي قدرة للبقاء على مسافة لا تقل عن عشرة كيلومترات داخل حدودها، وهذا ما يمكن أن يبقي هذه المستوطنات فارغة، لأن لا ضمانة كافية للمستوطنين بأن يعودوا الى المناطق الحدودية.
هذا العامل سيكون أحد أسباب اندفاع اسرائيل الى التصعيد جنوباً، بما يؤدي إلى تنفيذ عمل يحتاجه أكثر من مكون في الحكومة الاسرائيلية، وهو عمل تعمل إدارة جو بايدن على لجمه، بعدما حيّدت إيران، بما يؤمن الاستقرار النسبي في المنطقة بمعزل عن نتائج حرب غزة.