إنضمّت طرابلس إلى مسرح الأحداث الجنوبية مع نعي «حركة المقاومة الإسلامية» («حماس») نائب قائد جناحها العسكري في لبنان خليل الخراز ومعه اثنان من أبناء المدينة هما الشيخ أحمد عوض الإمام المساعد لمسجد التقوى وخالد ميناوي بالإضافة إلى مواطنَين يحملان الجنسية التركية هما بلال أوزتورك ويعقوب أردال، لتأخذ المدينة موقعها في الصراع الدائر على مستوى الإقليم وفي الجبهة الجنوبية التي بدا أنّها تُفسح في المجال أمام تنوّعٍ غير منسجم مع واقع السيطرة الكاملة لـ»حزب الله» على مسرح الأحداث.
ألقى وجود هذه المجموعة الطرابلسية- التركية الضوء على طبيعة الحضور السنّي في جبهة الجنوب، خاصة أنّه جاء تحت عباءة حركة «حماس» وليس تحت مظلّة «الجماعة الإسلامية» كما يُفترض من حيث المبدأ لأنّ «حماس» مهتمّة بالجانب الفلسطيني، لكنّ عملية الاغتيال الإسرائيلية أوضحت جوانب مستورة في هذا التحرّك الجاري الذي يجمع بين شباب ذوي توجّه سلفي معروف بمعارضته الشديدة لـ»حزب الله»، وكان الشهيد أحمد عوض أحد أبرز وجوهه، والشهيد خالد ميناوي الذي يحمل خلفية «جهادية» منذ سنوات، ويبدو أنّ الشهيدين التركيين كانا في التوجّه ذاته، وقد حضرا إلى الجنوب لدعم «حماس» في عملياتها على الجبهة.
من المعلوم أنّ الجبهة الجنوبية تخضع لضبطٍ مُحكَم وأنّ الدخول إليها والمرابطة فيها يجريان بالتنسيق مع «حزب الله» الذي يعلم طبيعة المشاركين ويحدّد طبيعة انتشارهم وأدوارهم، لهذا يحضر في مقام سقوط الشبان من طرابلس وتركيا، السؤال: لماذا سهّل «الحزب» مشاركة «حماس» و»الجماعة الإسلامية» وتغاضى عن مشاركة شبان من التيّار السلفي ليصبح المشهد سنياً إخوانياً سلفياً جهادياً «إقليمياً»، لكن من دون فتح الباب لمشاركة فاصلة؟
وهل ما زالت قيادة «الجماعة الإسلامية» و»حماس» والمؤيدين للنشاط العسكري في الجنوب من التيار السلفي على قناعة بأهمية وجدوى استمرارية ما يقومون به بعد عملية الاغتيال التي حصلت؟ خاصة أنّ مؤشِّرات متتالية بدأت تظهر لتؤكِّد عدم إمكانية وجود قرار فعلي للمقاومة جنوباً من دون التنسيق الحاسم مع «الحزب»، وقد تردّد أنّ تطوّراً حصل في الأسبوعين الماضيين أدّى إلى ضبط العمليات عبر الحدود وعمليات القصف بالقرار المباشر للحزب، الأمر الذي أدّى إلى تراجع حضور بقية الأجنحة المتواجدة في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، وخاصة قوات «الفجر»، ولعلّ هذا ما يفسِّر تقدّم العنصر الفلسطيني في الحركة الميدانية.
كما أنّ «الجماعة الإسلامية» بدأت تتّخذ تدابير احترازية بشأن مراكزها في الجنوب، كما كان لافتاً ما أعلنه رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير خلال ندوة نظّمتها مجموعة النائب إيهاب مطر للتنمية في طرابلس عن ضرورة أن تأخذ كلّ خطط الطوارئ في الاعتبار وجود قوى غير «حزب الله» تشارك في الأعمال القتالية. ويبدو أنّ «الجماعة» تتعرّض لضغوط غير مباشرة لإلزامها بمستوى معين من العمليات، خاصة بعدما قامت بقصف مستوطنة كريات شمونة في 29 تشرين الأول الماضي في خطوة نوعية فاجأت البعض في لبنان كما فاجأت المراقبين العسكريين الإسرائيليين الذين اعتادوا إدارة قواعد الاشتباك مع «حزب الله» عبر قنوات مفتوحة.
ومع تصاعد المطالب بالعودة إلى التطبيق الفعلي للقرار 1701 وتفاعله في الساحة الداخلية والتأثيرات المتوقّعة لهذا الاتجاه على السياسة المحلية والإقليمية، يعمل «حزب الله» على استثمار وجود المجموعات السنية، اللبنانية والفلسطينية على جبهة الجنوب ليبعث برسالة تهديد واضحة إلى الأميركيين والإسرائيليين خلاصتها أنّه إذا أُزيل «الحزب» من المعادلة فإنّ البديل هم «الإخوان المسلمون» و»السلفية الجهادية» أي السنة الذين يواجهونهم في حرب ضروس في غزة، وللقول إنّ «الحزب» هو الضمانة لتأمين الحدود في إطار «قواعد الاشتباك» التي حافظ عليها منذ العام 2006.
أصبح أكيداً لدى جميع من دخل الجبهة الجنوبية أنّه لا إمكانية لعمل مقاوِمٍ مؤثّر خارج قرار «حزب الله» والواضح أيضاً أنّ التفاوض المفتوح بين طهران والإدارة الأميركية هو حول الأثمان التي سيتقاضاها الإيرانيون لقاء الامتناع عن فتح حرب وقد تحوّلت الجبهة الجنوبية إلى جبهة استنزاف داخلية تطول بلدات الشريط الحدودي وبقايا الاقتصاد اللبناني، لهذا أصبح من الأَولى للمجموعات السنية أن تعلن انسحابها من جبهةٍ لا تنقذ غزة ولا تسمح لهم بالدور الذي جاؤوا إلى الجنوب للقيام به، والطريق الأسلم والأقلّ كلفة على لبنان بجميع مكوّناته هو العودة إلى القرار 1701 لإنهاء الاستثمار الإيراني الأحادي بلبنان وشعبه ومستقبله، كما يرى معنيون.