لا انشغال للبنانيين سياسياً سوى بملفين، يسعى كثر إلى ربطهما ببعضهما البعض. الملف الأول هو التطورات الجنوبية، على إيقاع استمرار الحرب على قطاع غزة. والملف الثاني هو التمديد لقائد الجيش جوزيف عون أو تأجيل تسريحه، في مقابل إصرار التيار الوطني الحرّ على تعيين قائد جيش جديد.
الدافع الأساسي لمنع حصول شغور في قيادة الجيش، هو تطورات الوضع في الجنوب أولاً، وثانياً أنه لا يمكن التعاطي مع المؤسسة العسكرية كما جرى التعاطي مع ملف مدير عام الأمن العام وانتهاء ولايته. علماً أن بعض الممارسات التي تبرز من القوى السياسية تشير إلى تكرار السيناريو الذي حصل مع اللواء عباس إبراهيم، من خلال تقاذف كرة المسؤولية بين مجلس الوزراء ومجلس النواب.
إضعاف المؤسسة
ما حصل في الأمن العام لا يمكن أن يحصل في قيادة الجيش، لأن جهازاً أمنياً يختلف عن مؤسسة عسكرية كبيرة، لا سيما أن كل السجالات الدائرة بين التمديد، أو تأجيل التسريح، أو تعيين رئيس للأركان، أو تسلم قيادة الجيش من قبل الضابط الأعلى رتبة.. كلها تسهم في إضعاف المؤسسة والتأثير على معنويات الضباط. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن ذلك يؤشر إلى استمرار الصراع السياسي حول المناصب العسكرية، كما غيرها من مؤسسات أو سلطات. وهو له انعكاسات سلبية أيضاً خصوصاً في ظل هذه الظروف.
فبعد حصول تقدم في مسألة التمديد وعدم ممانعته من قبل حزب الله وحركة أمل، برز تطور جديد في دخول رئيس الجمهورية السابق ميشال عون على الخطّ، من خلال رفضه التمديد. وهذا ما أدى إلى فرملة الموضوع حالياً.
إرضاء القوى السياسية
هذه المعادلة تضع حزب الله أمام خيارين. إما اختيار التحالف مع التيار الوطني الحرّ، أو اختيار قائد الجيش ومن يؤيد التمديد له، بالإضافة إلى مؤشرات خارجية تدفع باتجاه التمديد، وسط تضارب في تفسير المواقف، ولا سيما الأميركية منها، بين من يعتبر أن واشنطن تريد التمديد لجوزيف عون، وآخرون يرون أن أميركا لا تهتم بالأشخاص إنما تريد تجنّب الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية.
رئيس التيار الوطني الحرّ كان قد اقترح أن يتم تعيين قائد للجيش ومدير عام للأمن العام ومدير عام لقوى الأمن الداخلي.. على قاعدة إرضاء رئيس الحكومة بالأمن الداخلي والثنائي الشيعي بالأمن العام، فيما يكون قائد الجيش الجديد محسوباً عليه. كما يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجميع. وهناك أسماء مطروحة ومتداولة يبدو الأوفر حظاً فيها هو مدير المخابرات العميد طوني قهوجي، صاحب العلاقات الممتازة بكل القوى السياسية، والذي يتمتع بعلاقات مؤسساتية مع القوى الخارجية.
لا ممانعة الحزب
في المقابل، فإن من يرفض التعيين حالياً، ينطلق من أنه لا يمكن إلزام رئيس الجمهورية الذي سينتخب بقائد جيش معين سلفاً. وهناك جانب آخر من المفاوضات يتعلق بالثمن المقابل الذي يتوجب على باسيل دفعه، لقاء الموافقة على التعيينات. وهو بالحدّ الأدنى تجديد شرعية الحكومة والمشاركة في جلساتها. على الرغم من ذلك، فإن فرص التمديد أو تأجيل التسريح لا تزال مرتفعة، بالرغم من سيئات طريقة مقاربة الملف.
أما بالعودة إلى حزب الله وموقفه، فهو لا يمانع التمديد بحال تم الاتفاق عليه، ولا يمانع التعيين بحال تم الاتفاق عليه أيضاً، خصوصاً في ظل رغبة خارجية له. هذا الأمر لا ينفصل عن متابعة التطورات الجنوبية، والتي يحرص الحزب من خلالها على تثبيت معادلة جيش وشعب ومقاومة من جهة، ومن جهة ثانية رغبته بتأكيد الرسائل الواضحة التي يوجهها، بأنه لا يريد الحرب ولا توسيعها. ولكنه يبلّغ الجميع عبر قنوات اتصال ووسطاء بضرورة وصول أميركا إلى وقف لإطلاق النار في غزة والذهاب إلى مفاوضات، لأنه من دون ذلك فإن التصعيد سيكون حتمياً.