في ظل المحاولات السياسية والديبلوماسية لتحييد لبنان عن مدار الصراع الدائر في غزة، وبينما تتمظهر مواقف دولية وعربية تسعى إلى عدم اتساع رقعة المعارك إليه، إلا أن المزيد من الضغوط تُمارس على اللبنانيين، بشكل يظهر أن البلد مطوّق إلى حدود بعيدة.
ثمة مؤشرات كثيرة تفيد بأن هذا التطويق سيزداد في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تسجيل جملة مؤشرات، تبدأ بالكشف الإسرائيلي عن توقيف خلية لحزب الله تعمل على إعداد أهداف في البرازيل لاستهدافها، مروراً بتقارير تشير إلى امتلاك الحزب لصواريخ ياخونت الروسية، علماً أن هذا التسريب يأتي بعد تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للأميركيين، بأن الحزب قد أعد لبوارجهم في البحر العدّة اللازمة، معتبراً أنها لا تخيف أحداً.
ضربات استباقية؟
أمام هذه الوقائع بمعناها العسكري، وفي ظل كل الجهود السياسية والديبلوماسية المبذولة لتحييد لبنان عن دائرة الصراع، انطلاقاً من رسائل أميركية واضحة حول حصر الاشتباكات بعمق 2 كلم وفق قواعد الاشتباك، ومنع فصائل أخرى غير الحزب من الاستمرار في عملياتها العسكرية، فإن هذه الرسائل تبدو وكأنها إنذار أخير للبنان، كي لا تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ، خصوصاً في ظل الجنون الإسرائيلي، وربما الفكرة الإسرائيلية الموجودة في عقل الكثير من المسؤولين في هذه المرحلة، حول الاستفادة من حجم الدعم الدولي الكبير، وبالتالي، القيام بشن “ضربات استباقية” في لبنان وضد مواقع وأهداف أساسية للحزب.
وحتى الآن، يظهر أن الإسرائيليين يحاولون بشكل واضح تنفيذ هجمات خارج نطاق قواعد الاشتباك، واختراقها أكثر من مرة، سواء باستهداف سيارة الإسعاف، أو السيارة المدنية في عيناتا، ما أدى إلى سقوط أربع شهيدات، وصولاً إلى الضربات التي ينفذها الطيران الحربي الإسرائيلي ضد مواقع للحزب في مناطق داخل العمق اللبناني، وتبعد عن الحدود أكثر من 20 كلم، كما هو الحال بالنسبة إلى استهداف مواقع الحزب في جبل صافي وجبل الريحان. وهذه كلها رسائل إسرائيلية حول الاستعداد لتوسيع المعركة، فيما هذه الاعتداءات تمنح الحزب أيضاً ظروفاً مناسبة للردّ عليها، ولكن وفق قواعد الاشتباك، لا سيما في ظل شكوك تفيد بأن تل أبيب تسعى إلى استدراج الحزب لمعركة أوسع، وتجبر الأميركيين على دعمها في هذه الظروف.
رهان لبنان
أهم ما يراهن عليه لبنان هو نقطتان. الأولى، ما يمكن أن ينجم عن التحركات الديبلوماسية والسياسية الدولية والعربية. والثانية، هي الرهان على الوقت وصمود حماس وعدم قدرة الإسرائيليين على تحقيق أي هدف استراتيجي يقود إلى كسر الحركة. فمجرد صمود الحركة سيجنب حزب الله الدخول في المعركة. كما أنه لن يدفع الإسرائيليين للتفكير بفتح جبهة جديدة مع لبنان.
في هذا السياق، هناك إشارات عديدة على أن الوقت لم يعد في صالح الإسرائيليين، على الرغم من كل محاولات نتنياهو لإطالة أمد الحرب، خشية على مصيره السياسي، والذي سيكون السجن والنهاية السياسية. ذلك لا يمكن أن ينفصل عن وجود خطة أميركية تتصل بتغيير كل الطقم الحاكم في إسرائيل ولا سيما نتنياهو، والذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة.
هذا المسار لا بد أن يتقاطع مع مسار آخر، يتصل بإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية ومشاركة حركة حماس بها سياسياً.
وهذا على ما يبدو أنه يتم البحث به على مستوى القوى الإقليمية والدولية، في ظل الأفق الذي يضيق أكثر فأكثر للمعركة.
فالبديل عن أي رؤية سياسية تفرض حلاً، سيؤدي إلى تفجير الوضع ككل في المنطقة.