هل باتت إسرائيل تُشكّل عبئاً على أمريكا والغرب؟
في الأيام الأولى لحرب تموز/يوليو 2006، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك كوندوليزا رايس كلمتها الشهيرة: “الشرق الأوسط الجديد سيُولد من مخاض الحرب الإسرائيلية اللبنانية”، وكأنها كانت تريد القول إن الجسر العسكري الجوي الذي أقامته بلادها لمد إسرائيل بأحدث القنابل المُدمّرة سيُمكنها من القضاء علی حزب الله.. فيكون ذلك هو مقدمة ولادة الشرق الاوسط الجديد وفق المقاس الأمريكي الإسرائيلي. على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً لم تتمكن إسرائيل، وبتفويض أمريكي مفتوح، من “سحق حزب الله”، ولم يولد ذلك الشرق الأوسط الجديد” الذي بشّرتنا به السيدة رايس. بعد 17 سنة، تتكرّر العبارة الأمريكية لكن هذه المرة علی لسان رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن ثم يتبناها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، كما تبنى الجانبان الأمريكي والإسرائيلي مهمة “سحق حماس”، كمقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية من خلال سيناريوهات بائدة أهمها إخلاء قطاع غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين وترحيلهم إلی كل من مصر والسعودية والعراق والأردن وتوزيع البقية علی عدد من الدول الإقليمية مثل تركيا. هذا التصور الإسرائيلي طرحه بلينكن نيابة عن إسرائيل خلال زيارته الأولی للمنطقة غداة حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول (طوفان الأقصى)، لكنه لقي معارضة شديدة من جميع الدول التي زارها، وأولها مصر والاردن أول دولتين معنيتين بمشروع “الترانسفير”. بعد مضي شهر علی حرب غزة، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه المعلنة وغير المعلنة خلال هجومه المجنون ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمستشفيات ودور حضانات الأطفال ومراكز الأمم المتحدة لإيواء النازحين وحتى على القوافل المدنية التي فتحوا لها ممرات آمنة قبل أن يقع من صدّقوا الإحتلال في كمائن ذهب ضحيتها مئات الشهداء، في الوقت الذي تجاوز عدّاد الشهداء رقم العشرة آلاف بينهم نحو خمسة آلاف طفل. مضى شهر وما تزال دبابات الجيش الإسرائيلي تحاول التقدم بصعوبة كبيرة نحو وسط مدينة غزة بعدما تمكنت من اقتحام المناطق الزراعية والخالية من السكان في الشمال الغربي والشمال الشرقي والوسط الفاصل بين جنوب القطاع وشماله. في بداية الأمر، قال جيش الإحتلال إنه يُريد القضاء علی حركة “حماس” ثم تساهل بعض الشيء للقول إنه يُريد القضاء علی عناصر “كتائب عز الدين القسّام” (الجناح العسكري لحماس).. وبعدها قال إنه يريد تحرير الرهائن الإسرائيليين والأجانب لينتقل بعد ذلك إلی مطالبته بترحيل عناصر “كتائب القسّام” إلی تركيا كشرط لسريان وقف إطلاق النار، على غرار ما حصل في صيف العام 1982 عندما طالبت إسرائيل برحيل قيادة وجسم منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلی تونس كشرط لوقف إطلاق النار، غير أن الوقائع الميدانية والسياسية لا تشي بامكان تحقيق الشروط الإسرائيلية في ظل صمود فلسطيني تاريخي في غزة من جهة وغموض بنّاء تُمارسه الأطراف المعنية بالصراع والمواجهة مع الكيان المحتل من جهة أخرى. يخلص الدبلوماسي الأوروبي للقول إن مرحلة ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تختلف عما قبلها؛ قلت له نحن قلنا ذلك سابقاً لكن أين ستكون إسرائيل؟ أجاب بسرعة أنها لن تكون كما كانت في السابق.. والشرق الأوسط الجديد علی الأبواب ولكن من دون إسرائيل! المواجهة على أرض غزة في أوجّها هذه الأيام، وثمة رأي عام عالمي يتطور تدريجياً باتجاه إدانة إسرائيل علی ما تقوم به من إبادة بشرية في قطاع غزة في الوقت الذي تراهن فيه أوساط عسكرية علی مفاجآت فلسطينية تنتظر جيش الإحتلال في مقابل فقدان إسرائيل عمقها الإستراتيجي الجغرافي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في ضوء معلومات تتحدث عن نزوح أكثر من 120 ألف مستوطن من “غلاف غزة” والجليل الأعلی وبقية المناطق التي تطالها الصواريخ والقذائف من جنوب لبنان وقطاع غزة نحو الوسط الإسرائيلي. في ظل هذه الأجواء، يجري وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن جولة مكوكية قادته إلی عدد من العواصم الإقليمية بحثاً عن مخرج للهزيمة التي تعرّضت إليها إسرائيل، وعن مخرج للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأجانب مقابل هدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار. وبرغم وجود حاملتي طائرات أمريكيتين في المنطقة، إلا أن بلينكن الذي حطّ في مطار بغداد، وبدا حريصاً على إرتداء سترة واقية، لم يتمكن من ترويض من التقاهم خلال جولته الاقليمية حيث سمع كلاماً مختلفاً عم يتمناه من نوع “أوقفوا جريمة قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ” و”أوقفوا مذبحة الابادة البشرية” التي يتعرض لها الفلسطينيون علی يد الماكينة العسكرية الإسرائيلية التي تديرها اليوم قيادة عسكرية ميدانية أمريكية من تل أبيب سعياً لإنقاذ ما يُمكن انقاذه من الكيان الذي سيبقى لعقود أسير عقدة هزيمة 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبالإضافة إلی الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية الأميركي، فإن تل أبيب استقبلت أيضاً مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوی أبرزهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ومدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز بحثوا مع المسؤولين الإسرائيليين ليس آلية محاربة جيوش عربية جرّارة بل ثلة من الشباب الفلسطينيين المحاصرين في القطاع منذ 18 عاماً بكافة أنواع الحصار الإقتصادي والسياسي والأمني والإجتماعي. وينقل دبلوماسي أوروبي أن إسرائيل “باتت تُشكل عبئاً كبيراً علی الولايات المتحدة والدول الغربية؛ فالمرحلة الراهنة لا تحتمل تفرغ الدول الأوروبية وحتی الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل”. هذه الدول، كما يقول هذا الدبلوماسي، “لديها اهتمامات أخری بعد حرب أوكرانيا، وهذه الاهتمامات تجعل الدول الأوروبية تحديداً غير راغبة في تحمل المزيد من الضرائب المالية والأمنية من أجل كيان كان دوره مهماً في زمن الحرب الباردة لكنه بات الآن يُشكّل عبئاً علی المنطقة والمجتمع الغربي”. وعندما سألته عن الولايات المتحدة وإسرائيل؛ من يخدم من؟ قال إن واشنطن كانت تسعی لخفض منسوب التوترات في المنطقة ووصولاً إلى السير بمسار التطبيع، لكن السابع من تشرين الأول/أكتوبر “غيّر المعادلات وصاغ قواعد جديدة للصراع مع إسرائيل؛ في حين تسعی الإدارة الأمريكية للتفرغ للاستحقاق الانتخابي الرئاسي في العام 2024 وهي بحاجة إلی اللوبي اليهودي (إيباك) في هذه الإنتخابات لأن أوضاع الديموقراطيين في عدد من الولايات الأمريكية بات “محرجاً” في مواجهة الصقور من الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب”. يخلص الدبلوماسي الأوروبي للقول إن مرحلة ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تختلف عما قبلها؛ قلت له نحن قلنا ذلك سابقاً لكن أين ستكون إسرائيل؟ أجاب بسرعة أنها لن تكون كما كانت في السابق.. والشرق الأوسط الجديد علی الأبواب ولكن من دون إسرائيل!