في مقابل مطلب البطريركية المارونية “تحصين الجيش وعدم المسّ بقيادته حتى انتخاب رئيس للجمهورية” يستكمل النائب جبران باسيل، مدعوماً من خصمه السياسي سليمان فرنجية، مساعيه لمنع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.
آخر الطروحات الباسيليّة، في حال لم يتمّ الركون إلى خيار تسلّم الضابط الأعلى رتبة قيادة الجيش، تعيين قائد للجيش ورئيس أركان من خلال استكمال ملء الشغور في المجلس العسكري.
هكذا، وعلى الرغم من الوضع الحسّاس والخطير جنوباً، يلتهي ضبّاط وقادة المؤسّسة العسكرية بالحديث عن “المرشّحين” المحتملين لقيادة الجيش في مرحلة توصف بـ “الانتقالية” قبل إرساء التسوية السياسية الكبرى التي تتيح انتخاب رئيس للجمهورية ضمن سلّة متكاملة تشمل معظم مفاصل الدولة.
آخر الطروحات الباسيليّة، في حال لم يتمّ الركون إلى خيار تسلّم الضابط الأعلى رتبة قيادة الجيش، تعيين قائد للجيش ورئيس أركان من خلال استكمال ملء الشغور في المجلس العسكري
المرشّحون لتسلّم مهامّ قيادة الجيش معروفون بالأسماء. منهم من يَصلح لهذه المرحلة الانتقالية بحكم المدّة القصيرة التي تفصله عن الإحالة إلى التقاعد، ومنهم من يصنَّف في خانة الأسماء “الصالحة” للعهد الجديد، لكن بالتأكيد الوقت يلعب ضدّ عدد من الضبّاط الذين استنزف الشغور الرئاسي جزءاً كبيراً من “رصيدهم” الزمني الذي يؤهّلهم للمنافسة الكبيرة على مركز القيادة.
لكنّ خيار تعيين قائد للجيش يصطدم بحاجز سياسي يقف في مقدّمته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والثنائي الشيعي ووليد جنبلاط الذي مع طرحه خيار التمديد أو التعيين يفضّل تأجيل تسريح قائد الجيش و”ليس تنفيذ رغبات باسيل” في المؤسّسة العسكرية تماماً كما موقف ميقاتي والرئيس نبيه برّي.
عمليّة تضليل
مرّة أخرى ضمن سياق عملية “التضليل” التي يتقنها باسيل، أوعز إلى قريبين منه تسريب معلومات غير صحيحة، منها أنّ موضوع التمديد لقائد الجيش لم يتمّ بحثه في اللقاء الذي جَمعه ليل السبت الفائت بالبطريرك الراعي، وأنّ موقف الأخير الرافض “إسقاط قائد الجيش” جاء بعد لقائه العماد عون بعد ظهر الأحد وليس على خلفيّة زيارته لبكركي.
لكن فعليّاً، الموقف الأوّل للراعي صدر في اليوم التالي للقائه باسيل خلال عظة الأحد، وتضمّن أيضاً إشارة بالغة المعاني إلى رفضه “التلاعب بالقيّمين على المؤسّسة (العسكرية)” غامزاً من قناة ما حدث من سيناريو مخطَّط له سَبق إحالة اللواء عباس إبراهيم إلى التقاعد.
أمّا الموقف الثاني فصدر يوم الإثنين خلال افتتاحه دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك حيث طالب الراعي “تأميناً لمصلحة الدولة عدم إجراء تعديلات في قيادة الجيش حتى انتخاب رئيس الجمهورية”.
العميد المصري تولّى قيادة الجيش بالوكالة نحو ثلاثة أشهر، وهو فارق الوقت بين انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 أيار 2008 وتعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش بالأصالة في 30 آب 2008
استياء شيعيّ من الراعي
في مطلق الأحوال، لم يُسمع حتى الآن أيّ صدى لمواقف الراعي في عين التينة أو الضاحية. أكثر من ذلك، تفيد المعلومات أنّ هناك استياءً كبيراً لدى الثنائي وحلف الممانعة من التجاهل التامّ للبطريركية على مدى شهر كامل للحرب الإسرائيلية على غزّة وعدم صدور موقف إدانة واحد ضدّ العدوّ الصهيوني الذي يُمعِن في قتل الأبرياء على مرأى من العالم.
ترى مصادر قريبة من هذا الفريق أنّ “الراعي تأخّر كثيراً في إطلاق مواقفه ممّا يحدث في غزّة”، وحين تكلّم لم تصدر إدانة بالاسم لإسرائيل بل تحدّث عن “الحرب الإباديّة والمدمّرة والتهجيرية بحقّ الشعب الفلسطيني”.
باسيل وصعب
بالنتيجة، على الرغم من الموقف المسيحي الذي يعبّر عنه حلف بكركي-القوات-الكتائب دعماً للتمديد ما يزال يصرّ باسيل في المهلة الفاصلة عن 10 كانون الثاني على أنّ تسلّم عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب أمر ممكن إلى جانب تعيين رئيس أركان. يقلّص أداء باسيل المواجهة مع قائد الجيش إلى المسافة صفر، معتبراً إيّاها معركة مصير في السياسة.
يشير المؤيّدون لطرح باسيل إلى أنّ القيادة العسكرية ليست فقط قائد الجيش، وأخذ القرار الذي هو حصراً بيد “القائد” هو نتاج عملية مشتركة من ضمنها مديرية المخابرات ومديرية العمليات العسكرية استناداً إلى معطيات الأرض، وأنّ المساعدات التي ترسلها الدول للجيش ليست شخصية باسم “جوزف عون”، والإمرة من دون نقاش تبقى لمن هو على رأس القيادة التي لا تقبل بهيكليتها الفراغ.
مع ذلك، ثمّة “محور” سياسي-عسكري يسلّم بأهمية عدم إحداث تغيير في القيادة حالياً لاعتبارات كثيرة زادها مشروعيّة وقوف لبنان على حافة الحرب مع إسرائيل.
جنبلاط: برّي ستايل!
أمّا لناحية تعيين رئيس الأركان، فإنّ هذا الخيار يبدو حتمياً مع التمديد لقائد الجيش أو من دونه، ومع تعيين قائد جيش أو من دونه، ومع تسلّم الضابط الأعلى رتبة.
هنا تتركّز الأنظار على النائب السابق وليد جنبلاط الذي يوازن بين ضرورتين: التمديد لقائد الجيش (أو تعيين أصيل) وتعيين رئيس أركان. لكنّ جنبلاط ينتهج، وفق مطّلعين، أسلوب الرئيس نبيه برّي نفسه حين لوّح مراراً برفضه القاطع لتولّي وسيم منصوري مهامّ حاكم مصرف لبنان وصولاً إلى التهديد بدفعه إلى الاستقالة في سياق مراعاته للاعتبارات الطائفية وتوجّساً من مرحلة “ما بعد رياض”، فيما كان القرار السياسي المُتقاطع مع الخارج “ناضجاً” في رفض التمديد لرياض سلامة ولتولّي منصوري صلاحيات حاكم مصرف لبنان “برضى عين التينة”.
اليوم يبدو جنبلاط، في سياق مراعاة الاعتبارات الطائفية نفسها، يربط تعيين رئيس أركان بالتمديد للعماد عون، لكنّ واقع الحال أنّ المختارة ستكون بكامل جهوزيّتها، على الرغم من عدم القرب السياسي لقائد اللواء 11 العميد عودة من جنبلاط، لتسجيل السابقة الثانية بعد العميد شوقي المصري في تولّي ضابط درزي قيادة الجيش بالوكالة.
الجدير ذكره أنّ العميد المصري تولّى قيادة الجيش بالوكالة نحو ثلاثة أشهر، وهو فارق الوقت بين انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 أيار 2008 وتعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش بالأصالة في 30 آب 2008. أمّا قبل الطائف فسُجّلت سابقة واحدة حين وضع فؤاد شهاب بُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1958 الجيش في عهدة رئيس الأركان العميد توفيق سالم بالوكالة.
تكتل باسيل: حملة مشبوهة للتمديد
في سياق ملف التمديد رفع باسيل أمس من منسوب معارضته حيث صنّف تكتل “لبنان القوي” “الضجة المثارة حول ملف قيادة الجيش في إطار حملة مشبوهة للتمديد خلافاً للدستور والقوانين المرعية الإجراء، والتهويل المبرمج حول انقسام الجيش أو وقف المساعدات له في حال عدم التمديد، وهي كلّها ذات خلفية سياسية لا علاقة لها بمصلحة المؤسسة العسكريّة التي تتأمّن بإبعادها عن السياسة وليس باستخدامها في سياسات خاصة وضيّقة”.
كما رفض “التكتل” “التشريع خلافاً لمبدأ الشمولية”، معتبراً أنّ “حلولاً قانونية عدّة متوفّرة لتفادي وقوع الفراغ الذي لن يحصل، وهو غير وارد أصلاً في المؤسسات ذات التراتبية العسكرية”.