حتى الآن لا تزال قواعد الاشتباك هي القائمة في الجنوب اللبناني، طالما أن ميزان القوى في الداخل الفلسطيني لم ينكسر تماماً.
مرّت قواعد الاشتباك تلك بمسارات متعددة، بدأ رسم ملامحها مع اغتيال جهاد مغنية في العام 2015 في جنوب سوريا. عندها قرر حزب الله الردّ على العدو الإسرائيلي في المنطقة المحتلة من مزارع شبعا. برزت حينها معادلة ضربة مقابل ضربة. فيما بعد، تطورت المعادلة وأعلن أمين عام الحزب بأن أي استهداف اسرائيلي للبنان أو اغتيال أي عنصر من الحزب في سوريا أو لبنان، فإن ذلك سيستوجب رداً من الحزب، مع ترك هامش له في الرد داخل الأراضي المحتلة وليس المناطق المفتوحة كمزارع شبعا.
الدم بالدم
إثر التطورات التي يشهدها قطاع غزّة بعد عملية “طوفان القدس”، يتمسك الحزب بقواعد الإشتباك في جنوب لبنان، مع جهوزية كاملة وتأهب في حال حصول أي تطورات. التطور الأول الذي شهدته الحدود الجنوبية للبنان كان يوم الأحد في إطلاق صواريخ باتجاه مزارع شبعا ما استدعى رداً اسرائيلياً. فيما بعد حصلت عملية تسلل من قبل مجموعة تابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، من منطقة الضهيرة باتجاه الأراضي المحتلة في القطاع الشرقي. رد الإسرائيليون بقتل عناصر من مجموعة سرايا القدس، واستكملوا عملية القصف ليستهدفوا أبراج مراقبة تعود للحزب في ثلاثة مواقع. هذا الاستهداف أدى إلى سقوط شهداء للحزب. فردّ الحزب بقصف ثكنتين عسكريتين اسرائيليتين. فيما بعد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل أحد ضباطه في عملية التسلل من جنوب لبنان. هنا تجلّت معادلة “الدم بالدم”.
على الرغم من ذلك، إلا أن السؤال الذي لا بد من طرحه، يتعلق باحتمال لجوء الإسرائيليين إلى محاولة استدراج الحزب إلى قلب المعركة. خصوصاً أن الإسرائيليين عملياً قد اغتالوا منفذي عملية التسلل. وبالتالي، لم يكن من حاجة إليهم لتنفيذ ضربة موجهة للحزب وتؤدي إلى سقوط شهداء. فهل كان ذلك محاولة لاستهداف الحزب بشكل مباشر واستدراجه إلى المعركة؟
هذا السؤال لن يكون من السهل الإجابة عليه، خصوصاً أن الكلام الآن للميدان ولمجرياته وتطوراته. وفي مثل هذه الحالات، لا يمكن لأي مراقب أن يتوقع بما قد يحصل. الأكيد أن الإسرائيليين يريدون شن عملية عسكرية عنيفة على قطاع غزة. ووفق المنطق، فهم لا يريدون فتح جبهة جديدة لعدم قدرتهم عليها، ولا سيما أن ارسال حاملة الطائرات الأميركية هدفها -حسب مسؤولين أميركيين- تحييد حزب الله وإيران عن المعركة. لكن يبقى المعيار أيضاً للميدان وتطوراته.
قرار المعركة وتوقيتها
في المقابل، هناك وجهات نظر أخرى تعتبر أن الإسرائيليين يريدون الاستفادة من الظرف القائم لتوريط حزب الله أو استدراجه، بالإرتكاز إلى الدعم الدولي، ولا سيما الغربي، الذي يحظون به حالياً. وقد يعتبرونها فرصة لتوجيه ضربات للحزب لطالما هددوا بها. مع ذلك، لا يضمن الإسرائيليون لا آلية الردّ ولا حجمه ولا الخسائر التي سيتكبدونها.
وبالنسبة إلى حزب الله فهو يعتبر نفسه صاحب اختيار توقيت الإنخراط في المعركة. وهذا أسلوب عسكري تكتيكي يعتمده الحزب، على قاعدة عدم السماح للإسرائيلي في تحديد زمن المعركة.
حتى الآن لا يبدو الحزب مضطراً للتدخل في هذه المعركة بشكل مباشر وموسع، وتحمل أعباء وتكاليف. ففي الأساس، خياره السياسي في “نهج المقاومة” هو الذي يستفيد، وله حصّة بشكل أو بآخر من كل ما يجري في الداخل الفلسطيني. ولذلك هو لا يجد داعياً للإنخراط في هذه المرحلة، طالما لا تزال فصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني قادرة على الصمود ومواصلة القتال، ولم تنجح اسرائيل في تحقيق أي إنجاز عسكري فعلي، في تهجير السكان أو الدخول البري إلى غزة، ومحاولة احتلال أجزاء منها. فهذه الأخيرة يمكنها أن تغير مسار المعركة ويمكن لها أن تؤدي إلى إشعال الجبهات الأخرى.