تشكل الملفات الاجتماعية والأمنية القابلة للتفجر، وآخرها ملف اللاجئين السوريين وكيفية التعاطي معه، عناصر ضغط على مختلف مؤسسات الدولة اللبنانية. وفي الواجهة، الجيش اللبناني، كمسؤول عن ضبط الحدود، والذي يجد نفسه مشتت القوى بين الانتشار الواسع في الداخل وتوزيع انتشاره على الحدود لضبطها.
فإلى جانب الضغط الواقعي بفعل التطورات والأحداث، هناك ضغط من نوع آخر له أهداف وغايات سياسية أيضاً، لا تقف عند حدود التصويب على الجيش وتحميله مسؤولية ما يجري، أو اتهامه بالتراخي في ضبط عمليات التهريب. ولكن في المقابل، يتناسى هؤلاء أن أي حلّ لمشكلة اللاجئين لا بد له أن ينجم عن قرار سياسي لا يزال غير متوفر.
مقومات ثلاثة
أي قرار سياسي من هذا النوع سيكون بحاجة إلى ثلاثة ركائز. الركيزة الأولى، هي خطة حكومية موحدة. والركيزة الثانية، هي القدرة على إيجاد باب حل أو أفق، لتوفير أمن عودة هؤلاء إلى سوريا. فيما الركيزة الثالثة، هي قدرة استدراج اهتمام دولي وقرار واضح يسعى إلى إيجاد صيغة ملائمة لمعالجة ملف اللجوء داخل لبنان، وتوفير مقومات إعادتهم إلى سوريا. المقومات الثلاثة غير متوفرة، ما ينعكس عجزاً يترجمه اللبنانيون بإبراز قوة تعويضية قوامها ممارسة العنف على هؤلاء اللاجئين.
المناخ في لبنان قريب من التقاتل، ولكن لعجز اللبنانيين عن مقاتلة بعضهم بعضاً، يلجؤون إلى تسعير الحملة على السوريين. وسيبقى ذلك ملفاً مفتوحاً، ومسلسلاً متوالي الأحداث، طالما لم يأت ما يتقدم عليه ويحوز على الاهتمام فيتلهى اللبنانيون بملف آخر.
ملف اللجوء، بكل ضغوطه الاجتماعية والأمنية والحدودية. الإنسداد السياسي. الشلل الحكومي واستمرار وضعية تصريف الأعمال.. كلها تدفع جانباً كبيراً من القوى السياسية للبحث عن عمليات ترقيع في ما تبقى من بنية المؤسسات. وهو ما سيشكل رافداً ضاغطاً في سبيل إقرار القانون الذي يتم العمل عليه منذ فترة، ويتعلق بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية لسنتين من خلال رفع سن التقاعد. بالإضافة إلى البحث في إمكانية إقرار قانون آخر للتمديد لغالبية الموظفين في الفئة الأولى، بسبب انعدام القدرة على التعيين.
يتم البحث بين القوى السياسية والكتل النيابية في كيفية توفير ظروف انعقاد الجلسة التشريعية لإقرار القانونين، طالما أن الحكومة عاجزة عن إقرار مراسيم تعيين أو تمديد. أهم المواقع التي يطالها أحد القانونين هو منصب قائد الجيش جوزيف عون.
التمديد للقادة
كل هذه الضغوط التي تتعايش معها الساحة اللبنانية، لا بد من البحث عن كيفية التخفيف منها. وبالتالي، لا يمكن ترك الجيش اللبناني وقيادته تحديداً إلى مصيرهما، في ظل عدم وجود رئيس للأركان، قادر على تولي صلاحيات قائد الجيش عند تقاعده، وطالما أن وزير الدفاع يرفض التعيين.
فأي فراغ في قيادة المؤسسة العسكرية سيسهم في مفاقمة الأوضاع على صعيد المؤسسة، وعلى صعيد الملفات الأخرى، خصوصاً لجهة التداعيات السلبية التي ستنجم عن ذلك، ولما سينتج من تضارب في الوجهات والصلاحيات الناجمة عن صراعات متعددة.
منذ فترة أطلق مسار البحث عن ظروف التمديد وتوفيرها. السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بحثت في الأمر مباشرة مع وزير الدفاع موريس سليم، الذي لا يزال يتمنّع عن إقرار التمديد. الوفد الأميركي الموجود في لبنان، والذي يمثل مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان، كان واضحاً في مواقفه التي يطلقها خلال لقاءاته بالمسؤولين، حول ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي سريعاً، أو التمديد لقائد الجيش، وعدم استخدام مسألة تقاعده في الحسابات السياسية والرئاسية، والاستثمار بإضاعة الوقت بانتظار مغادرته لمنصبه، لاستبعاده كمرشح رئاسي. ففي مقابل هذا المسار اللبناني، سيكون الردّ الأميركي بممارسة المزيد من الضغوط وفرض العقوبات.