لطالما تعاطى اللبنانيون مع مصير لبنان بتخوف من استحالته إلى مصير قطاع غزة، المحاصر دوماً، والذي يحتاج إلى مساعدات دائمة. تعايش لبنان مع هذا الواقع على مدى سنوات عديدة، وتحديداً منذ الدخول في حقبة الانهيار الاقتصادي والمالي والسياسي.
الطريق الجديد
يأتي ذلك في ظل اغتراب لبناني عن “دور لبنان” التاريخي. هذا الدور المفتقد حالياً، وتسعى دول كثيرة إلى وراثته أو صناعته وتطويره على حساب هذا البلد المنكوب. جزء من الاغتراب الحالي يتعارض مع طبيعة لبنان التاريخية، حين كان قريباً من الغرب، بينما هو حالياً يقبع في أزمات متوالية شبيهة بأزمة سوريا، والعراق.
مناسبة الحديث هنا، هي الطريق الاقتصادي الجديد الذي أعلن عنه على هامش قمة مجموعة العشرين. لبنان مستثنى من هذا المشروع الضخم، كما سوريا والعراق، فيما اسرائيل هي “درّة تاجه”.
حتى قطاع غزّة شريك ويستفيد من هذا المشروع، فيما لبنان لا يزال في غياهب النسيان، لا يستذكره أحد إلا من بوابة “أمن اسرائيل” أو عودته إلى الالتحاق بالغرب. وهو على ما يبدو مسار متعثر. حتى أمن اسرائيل لا ينفصل عن ما تشهده المخيمات الفلسطينية من اقتتال داخلي، يهدف إلى تصفية “القوة الرسمية” الفلسطينية لحساب مجموعات أخرى. وهو ما يوضع في خانة الصراع على من يمسك بواقع الأرض، سواءً في مخيمات لبنان أم في الداخل الفلسطيني، على وقع مفاوضات دولية مع السلطة الفلسطينية حول اتفاقات تطبيع جديدة، لا سيما أن الضغط الأميركي لتحصيل اتفاق سعودي إسرائيلي لا بد له أن يمر في تقديم حلول للفلسطينيين، ولا بد للسلطة أن تكون ممسكة في الواقع على الأرض، كي لا يتعرض أي اتفاق إلى نكسات شعبية أو عسكرية أو أمنية. في كل الاحوال، هذا يبقى بحاجة إلى مجالات بحث موسعة ومنفصلة.
من الهند وباكستان
ولكن في سياق كل هذه التطورات، يعود لبنان إلى ما قبل النكبة الفلسطينية، والتي استفاد من وقوعها لبنان على خط المرافئ والمصارف وممرات التجارة. لم يكن لمرفأ بيروت أي قيمة قبل احتلال فلسطين. إذ حينها كان مرفأ حيفا هو المرفأ المتقدم، وحالياً تسعى إلى اسرائيل إلى استعادة دوره وتعزيزه وتكبيره على حساب مرفأ بيروت، الذي تم تفجيره وإنهاكه. حتى الدور المالي والمصرفي الذي كان لبنان يلعبه، انتهى، لحساب دول كثيرة في الشرق الأوسط تسعى إلى استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات.
يبرز الخط الجديد الذي ينطلق من الهند، إلى الإمارات ومنها إلى المملكة العربية السعودية، حيفا وصولاً إلى اليونان ومنها إلى أوروبا. وهو في مواجهة طريق الحرير الذي يعبر من الصين إلى باكستان إلى الكويت وصولاً إلى سلطنة عمان ومن هناك إلى افريقيا. علماً أن غاية الصين هي الارتباط ببحر العرب، مروراً بباكستان، بهدف تسريع صادراتها إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، بكلفة أقل ووقت أوسع. تُعتبر الصين أكبر شريك تجاري لدول المنطقة، ولديها طموح في توسيع نسبة التبادلات التجارية مع الشرق الأوسط إلى 600 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة. مقابل تعزيز وتسريع الاستثمار الصيني للنفط الشرق أوسطي، عبر باكستان.
هناك ثلاثة طرق يعمل على إنجازها الصينيون، الأول باتجاه أوروبا من طريق أوزبكستان وتركيا، عبر القطار السريع الذي تستهلك الرحلة فيه من بريطانيا إلى الصين 18 يوماً، بدلاً من 48 يوماً في البحر. أما الطريق الثاني، فهو طريق الحرير التقليدي، الذي يعبر من باكستان وأفغانستان وصولاً إلى سوريا ولبنان. فيما الطريق الثالث ذاك الذي أنجزه الصينيون في اتجاه باكستان بعد تشييد مرفأ كبير جدّاً هناك، بهدف تخفيف الضغط عن موانئ الخليج. وهذا قد يبرر التشديد الخليجي في الحصول على بعض الموانئ في اليمن، لا سيما سومطرة والحديدة، بالإضافة إلى عدن، لأن هذه المناطق الثلاث تمسك بمفاصل النقل البحري، بين الشرق والغرب. وهذا أيضاً ما يفتح النظر على الصراع بين الصينيين وبعض دول الخليج على من يستحوذ على مناطق نفوذ وموانئ في الصومال.