لعلّ التوصيف الأقرب الى الواقعية للوضع اللبناني الراهن من مختلف زواياها، السياسية، والاقتصادية، والمعيشية، وحتى الأمنية، أنه يشبه مريضا مُصاب بمرض خبيث عجز الأطباء عن علاجه، ولم يعد أمام أهله ومحبيه إلّا التضرّع والصلاة لشفائه عن طريق معجزة إلهية من عالم الغيب.
لقد دخل الشغور الرئاسي شهره التاسع، والمراوحة حول انتخاب رئيس جديد ما تزال هي سيدة الموقف، في ظل انسداد في شرايين التواصل بين السياسيين يمنع على أي مطلع أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأوضاع، وسط سياسة الأبواب المغلقة التي فضّل غالبية السياسيين في لبنان اعتمادها، وهذا السلوك السياسي هو إنعكاس طبيعي لحالة الانشطار الموجود على كافة المستويات، حيث ان التصحّر السياسي الموجود راهنا يقضي على أي بصيص أمل في إيجاد حل داخلي للأزمة التي تعصف في لبنان.
ولولا النافذة الفرنسية المفتوحة تجاه لبنان، لأمكن القول بأن الخارج قرر ترك لبنان لمصيره، نتيجة حالة «القرف» التي تنتاب الدول التي كان يفترض أن تقف الى جانب لبنان لإخراجه من أزمته، وهذا «القرف» ناجم عن سياسة اللامبالاة وعدم تقدير حجم الأخطار التي تعتمدها غالبية الأطراف السياسية، والتي تؤدي يوميا الى زيادة منسوب حالة الانهيار والإهتراء التي تضرب كل مفاصل الدولة طولا وعرضاً، بالرغم من الكم الهائل من التحذيرات التي حملها أكثر من موفد عربي وأجنبي تنبّه الى ان عدم العودة عن السياسة المتبعة ستودي بلبنان الى الهاوية، وهذه التحذيرات لم يكن يؤخذ بها، لا بل على العكس كان يضرب بها عرض الحائط الى أن وصلنا الى ما نحن عليه من انهيار اقتصادي وإهتراء سياسي.
صحيح ان الموفد الرئاسي، جان إيف لودريان قد وعد خلال زيارته بيروت الشهر الفائت انه بصدد العودة ثانية الى بيروت منتصف الشهر الحالي، غير ان هذه الزيارة ربما لن تحصل في موعدها المحدد بسبب عوامل عدة من بينها الاضطرابات التي تعصف بالعاصمة الفرنسية حاليا، والتي أدّت الى تراجع الملف اللبناني درجات عن سلّم أولويات الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي كان يفترض أن يلتقي لودريان نهاية الاسبوع الحالي للاطلّاع منه على نتائج زيارته بيروت من خلال تقرير يقدّمه إليه يتضمن فحوى محادثاته وما يمكن أن يقترحه ويراه مناسبا للحل.
وبحسب بعض المعلومات فإن لودريان وصل الى قناعة من خلال مروحة اللقاءات والاتصالات التي أجراها مع الغالبية الساحقة التي تعمل في الحقل السياسي من موالين ومعارضين، بأن فرصة الحل الداخلي للاستحقاق الرئاسي معدومة بالكامل نتيجة ما شعر به من تصلّب كبير في المواقف التي أبداها كل من التقى بهم، وعدم استعدادهم التراجع قيد أنملة في سبيل الوصول الى تسوية ما، تؤدي الى أن تكون الجلسة الثالثة عشر ثابتة وينتخب الرئيس فيها، وهو نتيجة لهذا الأمر فانه سيقدم من بين المقترحات التي سيضمنها تقريره طرحا يفضي الى إمكانية أن ترعى بلاده أو أي دولة معنية بالملف اللبناني حوارا خارج لبنان شبيه بالذي حصل في الطائف وبعده في الدوحة في حال تأمّنت ظروف نجاحه، لأن أي خطوة خارجية تكون ناقصة ستودي بلبنان الى قعر الهاوية.
فرنسا ستعمل على إشراك إيران والسعودية مباشرة في حياكة التسوية الرئاسية
ووفق المعلومات انه في حال استطاعت فرنسا وضع حد للاضرابات الحاصلة ومحوه آثارها في غضون الأيام المقبلة، فان الرئيس ماكرون سيحاول إشراك كل من إيران والمملكة العربية السعودية بشكل مباشر في حركة الاتصالات كل من موقعه النافذ في لبنان توصّلاً للحل المنشود، لان باريس متيقنة تماما بأنه لن يكون في مقدورها لوحدها حل الأزمة، وان هذا الأمر يتطلّب مساعدة من دول أخرى لها تأثير فاعل على الساحة اللبنانية.
وبناء على ما تقدّم فان كل المعطيات تتقاطع عند ثابتة وحيدة مفادها ان حالة الشغور الرئاسي سيطول أمدها، وان حالة المراوحة قدد تترافق مع فلتان أمني، ولا سيما ان بعض الوقائع اليومية التي تحصل في الكثير من المناطق إن بفعل السرقات التي ازداد حجمها في الآونة الأخيرة، أو بفعل عمليات القتل التي تحصل نتيجة خلافات فردية، أو بفعل التردّي الكبير في الأوضاع الاجتماعية، أو بفعل احتقان الشارع نتيجة الكباش السياسي الحاصل، كل ذلك يبرر الخوف من إنفلات الوضع من عقاله، حيث ان كل عناصر التوتير موجودة وان الوضع الحالي في لبنان بات يصحُّ فيه المثل القائل «ما تهزو واقف على شوار».