فيما العيون شاخصة الى فرنسا وزخم لقاءاتها في الجانب الذي يعني لبنان، خرج نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من عين التينة معلناً: «تمنيت من الرئيس بري البدء في التفكير جديًا بالتوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة لأنّ المجلس الحالي عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد». بالشكل ومن المكان الذي تحدث فيه بو صعب يفهم أنّ مثل هذا الموقف ليس مجرد تمنٍ، بل هو صادر عن رئيس المجلس نبيه بري أو أنّ الفكرة لاقت استحسانه، أو ربما كان المطلوب مقابل رفض الحوار التلويح بانتخابات مبكرة.
ما إن أنهى بو صعب تصريحه من مقر الرئاسة الثانية كانت المفارقة أنّ النائب أشرف ريفي بادره بالتأييد، وقبله كان النائب فيصل كرامي ينذر اللبنانيين بأنّ «الوضع اذا استمر على هذا المنوال ستكون رئاسيات 2024 و2025 و2026 ولن ننتخب رئيساً للجمهورية». وهو ما يعدّ تلاقياً مع فكرة بو صعب لجهة انسداد الأفق، وأن لا انتخابات رئاسية قريبة… وأنّ مجلس النواب صار لزوم ما لا يلزم.
سلّمت مواقع التواصل الإجتماعي بأنّ الفكرة مصدرها رئيس السلطة التشريعية الذي يلوّح بانتخابات مبكرة بعد رفض الدعوة للحوار. لكن نائب الرئيس يجزم «أنّ بري لم يطرح الفكرة، بل هو اقترحها عليه بعدما رأى أنّ مجلس النواب صار عاجزاً عن انتخاب رئيس للجمهورية، ولا أحد يريد التحدث إلى الطرف الآخر، وأنّ رئيس المجلس تهيّب الفكرة واكتفى بالتعليق «اذا كان التفاهم مستحيلاً فمن يدري ربما نصل إلى هذا الحد».
ويتابع بو صعب في عرضه للأسباب، قائلاً: «صار بحكم المؤكد استحالة عقد طاولة للحوار. ولدى مفاتحته اعتبر الرئيس بري أنّه لم يعد بإمكانه الدعوة للحوار، لكونه صار طرفاً ولديه مرشح رئاسي يؤيده، ولكن بإمكان البطريرك الراعي توجيه مثل هذه الدعوة، لكنه غير متحمس لها، بينما القوى السياسية ترفض الحوار متذرعة بفشل تجربته عام 2006».
إنها الحلقة المفرغة التي يدور حولها البلد فلا يقدر النواب على انتخاب الرئيس ولا هم قادرون على الإتفاق أو تأمين غالبية 65 صوتاً لأي مرشح، ما يعني انسداد الأفق على عتبة الفراغ الذي يهدد حاكمية مصرف لبنان وقيادة المؤسسة العسكرية.
اصطدمت فكرة بو صعب بردود فعل سلبية من «التيار الوطني الحر»، لكأن المقصود الغمز من قناة رئيس «التيار» جبران باسيل والرد على موقفه الداعم لترشيح جهاد أزعور، ما أدى الى خلاف في تكتله النيابي. ولا بد من قراءة الدعوة من حيث التوقيت الذي تلى جلسة انتخابات رئاسية خلطت أوراق التحالفات النيابية، وفي أعقاب الخلاف بين «التيار الوطني» و»الثنائي الشيعي». وفي المضمون هل يمكن لنائب الرئيس أن يقترح على رئيس المجلس مثل هذا الإقتراح علناً أم يضعه في تصرفه سراً لبلورته؟ وهل يمكن أن يعلن بو صعب فكرته ولو على سبيل إقتراح اذا رفضها بري؟ فيما درجت عليه العادة حديثاً أنّ نائب الرئيس يلعب دور الناطق باسم رئيس المجلس ومهندس أفكاره وتوجهاته أو صندوقة بريده، وأحيانا يكون صلة الوصل بينه وبين النواب متى تعقدت العلاقة بينهم، فهل تندرج»أمنية» بوصعب في سياق هذا الدور؟
أمّا في تحليل الأبعاد وما تصبو إليه الفكرة فلا يمكن عزلها عن العلاقة السيئة بين باسيل والثنائي، وأبعد من ذلك يمكن ادراجها في اطار استكمال الثنائي محاولات تحجيم باسيل بالتلويح له بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، حيث كان التحالف بينهما سبباً في فوز عدد من نواب «التيار»، إلا في حال وافق باسيل على الإلتحاق بركب الموافقين على انتخاب سليمان فرنجية، وقبِل بحصته تحت طائلة السير في معاقبته سياسياً.
لكن بو صعب يستغرب ردود الفعل، مذكراً بأنه كان أول المبادرين في أعقاب ثورة 17 تشرين إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بينما كان الرئيس ميشال عون لا يزال رئيساً في بعبدا، ويقول «الفكرة أنا من أطلقها بمعزل عن كل القراءات التي سيقت في شأنها واذا لم نتفق على انتخاب رئيس ولا على الحوار، فهل يكون النواب مجرد شهود زور حتى نهاية ولاية المجلس بعد ما يقارب الثلاث سنوات».
المطلوب لبلورة الفكرة سياسياً، تقديم أكثر من خمسين نائباً استقالاتهم من مجلس النواب، فهل يرى ذلك ممكناً؟ يجيب بو صعب «مستعد لتقديم استقالتي متى اقتنع النواب الآخرون بالفكرة، وتم التفاهم على انتخابات مبكرة، ولكن لن استقيل وحدي قبل أن تشمل الإستقالة العدد المطلوب دستورياً لحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة».
سواء صدر التلويح أو «التهديد» بانتخابات مبكرة عن رئيس المجلس أو عن نائبه، تبدو الدعوة بمنزلة الهروب إلى الأمام. وليست إلا إقراراً وتسليماً باخفاق مجلس النواب. وماذا ستقدم وتؤخّر مثل هذه الإنتخابات إن حصلت في ظل الإشتباك السياسي الذي قسم البلد إلى قسمين في السياسة، ويكاد يؤدي أو هو أدى بالفعل إلى تظهير خلاف كبير بين الثنائي والقوى المسيحية؟!