يصرّ رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل على استحضار نفور الرأي العام منه، فما أن يكاد الناس ينسون «محاسن» مواقفه، حتى يعاجلهم بجديد منها، ليجدّد وتيرة نفورهم منه والنقمة عليه.
يعترف الكتائبيون الأقحاح انّ حزب «الكتائب اللبنانية» ايام «الجيل السامي» (نسبة إلى سامي) بات في الدَرك الأسفل من الأحزاب بعدما كان في الصف الاول منها، بل كان الحزب الأول يوم لم يكن في لبنان من احزاب.
فحزب «الفالانج» كما كان يحلو لمؤسسه الراحل الشيخ بيار الجميل أن يسمّيه، صار في عهد رئيسه الشاب «فالانجات»، بعضها معلوم والبعض الآخر كامن او مكتوم، بعدما كان ولاّدة أحزاب وقيادات حزبية، فمن رَحَمه خرجت «القوات اللبنانية» حزباً قوياً، وبعدها «التيار الوطني الحر» القوي ايضاً، وصار حزب «الكتائب» الأضعف و»لا يذكر خالقه أيام شبابه».
فلا صدقية لقيادة الحزب في كل ما يقول ويفعل، بل نفاق ومنافقة دائمين، لأنّ المصلحة الشخصية والخاصة تغلب لديها على المبادئ والقيم التي تربّى عليها الكتائبيون ايام جيل المؤسس وما تلاه من مؤسسين، وينطبق عليه قول الشاعر العربي معروف الرصافي:
«لا يخدعنّك هتاف القوم بالوطن
فالقوم في السرّ غير القوم في العلن»
فما يقوله سامي في العلن هو غيره في السرّ.. وفي الحزب لا يعلو صوت الّا صوت «السامي»، فهو «العارف بكل شيء» وهو «الفهيم الحكيم»، وعلى الآخرين البصم، ومن لا يبصم يكون مصيره التهميش والفصل، ومن فُصلوا واستُبعدوا من الحزب كثيرون ومعروفون، وهم من الجيلين الحزبيين.
وفيما يتطرّف «التيار» و»القوات» في الموقف إزاء انتخابات رئاسة الجمهورية برفض ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، يحاول سامي «الكلّي القدرة» ان يجد لنفسه مقعداً في قطار الرفض لأجل الرفض واشياء أخرى سوف تأتي..، فلا حظوظ لوصول كتائبي جديد إلى رئاسة الجمهورية، علماً انّه في حال حصلت تسوية رئاسية ووافق عليها سيكون «كمالة عدد»، وإن عارضها سيكون ايضاً «كمالة عدد»، ما يعني انّه بات «ظاهرة صوتية» في كل استحقاق ليس اكثر، لأنّ زمن «الكتائب» الجميل قد ولّى، ليعود حزب العائلة يلتف حوله المحظيون برضى العائلة فقط، متخصّصاً بخوض المعارك الفاشلة التي يقودها حلفاؤه منذ ان خرجوا من الرحم الكتائبي او تمرّدوا عليه.
كسبُ المال سواء كان «أعطية» او «تشبيحاً» هو هدف القيادة «السامية»، سواء مقابل شتم الآخر وافتعال خلافات معه، او الضرب على وتر فتنة يعتقد خطأً انّ المُشغّل يريدها، ويطير معها شعار «الله والوطن والعائلة» ليحلّ محله «المال والبنون» و«من بعد حماري ما ينبت حشيش».
الصراخ ورفع الصوت في الاحتفالات او في الجلسات النيابية وإثارة الغبار السياسي في المناسبات لا تصنع رجولة ولا فروسية ولا زعامة، فكل ذلك هو مجرد كلام في البرّية ليس له إلاّ رجع الصدى، بل مجرد تعبير عن «مُركّب نقص» إزاء تفوّق الآخرين في «ساحات الوغى» السياسية وحتى البلدية والاختيارية..
فكتلة من اربعة نواب لا تغيّر في المعادلات شيئاً، والسيادة المدّعاة لا تكون بالتبعية او الاستتباع، وليست بالإمعان في سياسة إلغاء الآخر وممارسة العنصرية ضدّهم والتعامل معهم بمنطق الدونيّة. أهكذا تحمي «كتائب السامي» المسيحيين وحقوقهم ووجودهم، بعدم الاعتراف بالآخر حتى ممن هم من بني جلدتها…
من قال إنّك سيادي يا سامي «غير السامي»، ومن أعطاك وكالة حصرية بالسيادة حتى تصنّف الآخرين غير أسياد او سياديين؟ وهل انت الأحرص على السيادة اللبنانية اكثر من غيرك؟ انّها كذبة كبرى اخترعتها لتقول «انا موجود»، فيما القاصي والداني يعرف انك تستكمل حملة القضاء على حزب تاريخي كان مدرسة حزبية عريقة، وكان المعبّر عن ضمير وطني بجعل كل مسيحي يعتز بمسيحيته وبانتمائه إلى وطن كان المسيحيون أبرز صنّاعه، وإذ بك تحوّله منصّة لقنص إنجازات الآخرين الذين حفظوا ناسك الذين تخليت عنهم وخدموهم بأشفار عيونهم..
انّ حزب «الكتائب» اليوم الذي تحوّل «بفضلك» شلّة من محاسيبك وأزلامك، لا تأثير له يُذكر في الحياة السياسية، لأنك حوّلته منصّة للابتزاز و«القبض»، فحسب حجم الشتيمة وطبيعة المشتوم تكون قيمة الفاتورة لدى المشغل.. و«الشهر ورا الباب»…
لم يُسجّل للكتائب منذ توليك رئاستها إلّا كيل الشتائم والتحريض وإثارة العصبية الطائفية في وجه الآخر القريب والبعيد، وافتعال المظلومية واستحضار ماضٍ لم يكن مشرفاً لك وللجميع، وبينهم بعض حلفائك الحاليين وخصومك السابقين.
كتائبك يا سامي، ما عادت الكتائب التي طمح اليها شقيقك الشهيد بيار، الذي سعى لتوسيع انتشارها في كل البلد وإخراجها من الانعزال والفئوية، فجئت انت لتعيدها إلى القوقعة بأسلوب «حضاري» ومعاصر. ففيما الجميع يعودون او عادوا من الحرب، ها أنت تذهب اليها. فالكتائبيون قبل غيرهم باتوا يدركون جيداً انّ التجارة بالطائفية والعصبيات لم تعد رابحة، وانّ من يشتريك اليوم يبيعك غداً. وها انت اليوم في زمن تغيير الدول تعيش الحيرة والضياع، تبكي مُلكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال.
قريباً سيُنتخب رئيس جمهورية جديد، واياً كان شخص هذا الرئيس، لن يكون لك فضل في وصوله، سواء كان من كنف من تتحالف معهم، او من كنف الفريق الآخر، فتمثيلك لا يقدّم ولا يؤخّر في انتخابه، لأنك فقدت الصدقية لكثرة ما نافقت ولا تزال تنافق، ولشدّة ما تتلون مواقفك بين ليلة وضحاها، فما تقوله لست بمقتنع به، ولكن «آخر الشهر» عندك يغلب الطبع والتطبّع، لأنك صرت في تنافس مع أمثالك على الكسب السريع الذين تحوّلت وإيّاهم «حيتان مال».. ومن بعدكم الطوفان…