قد تتكون ذكريات الناس من أحداث مغلوطة، ويحصل ذلك معظم الأحيان بعد لحظات قليلة من حصولها، فيعاودون رسم تفاصيلها لتتناسب مع توقعاتهم. هذا ما كشفته دراسة جديدة تسلط ضوءاً أكبر على أوهام من هذا القبيل في الذاكرة القصيرة المدى.
في هذا السياق، بينت دراسات سابقة أن إدراك الناس الحسي لمحيطهم يتحدد بالاستناد إلى توقعاتهم، فيؤدي ذلك إلى ظهور أوهام.
وأظهرت بحوث أن ذكريات الناس الطويلة المدى قد تتكون بطريقة تتناسب مع توقعاتهم، فتظهر في بعض الأحيان ذكريات خاطئة. بيد أنه من المتعارف عموماً أن الذكريات القصيرة المدى المتأتية عن الإدراك الحسي لما حصل قبل ثانية أو ثانيتين، تعطي صورة دقيقة عن المحيط، وفقاً لما كشفه علماء، بما يشمل أولئك القادمين من جامعة أمستردام في هولندا.
أظهرت الدراسات السابقة أن إدراك الناس لمحيطهم يمكن أن يتشكل من خلال توقعاتهم، مما قد يؤدي إلى أوهام.
وكشف البحث أيضاً أنه ضمن نطاق زمني قصير يتراوح بين ثانية وثانيتين، يستطيع الناس أن يصفوا على نحو موثوق ما حصل فعلياً، أو أن يسردوا بثقة، عوضاً عن ذلك، تفاصيل مغلوطة عما توقعوا حصوله آنذاك.
وأكد العلماء أنه حتى ضمن أطر زمنية قصيرة إلى هذا الحد، قد يستحيل الوثوق تماماً بالذاكرة البشرية، بسبب الأوهام التي تجتاح الذاكرة القصيرة المدى.
وأشارت الدراسة إلى أنه عندما تكون لدى الناس توقعات راسخة حول ما يجب أن يكون عليه العالم، قد تبدأ ذكرياتهم بالتلاشي حتى في غضون ثوانٍ قليلة، فيعملون على ملء الفراغ الناتج من تلاشي المعلومات بتوقعاتهم.
في سياق بحث سابق، عرضت خلاله على المشاركين صورة حرف معكوس لفترة وجيزة، وقالوا إنهم رأوه بالاتجاه الصحيح، جرى تسليط الضوء مجدداً على الوهم، على رغمٍ من شكوك بأن يكون الاختبار المذكور مضللاً بحد ذاته، بالنظر إلى أن المشاركين لم يروا شكل الحرف جيداً.
لاحقاً، أجرى العلماء أربع تجارب لاختبار هذه الظاهرة في سياق الدراسة الجديدة.
وخلال التجربة الأولى، خضع المشاركون لاختبار كان هدفه التأكد من أنهم قادرون على إنجاز مهام التذكر البصري البديهية، وعرض عليهم بعد ذلك رسم دائرة عليها ستة إلى ثمانية أحرف، تتضمن حرفاً معكوس الاتجاه أو حرفين.
وكي يتسنى تحوير اهتمام المشاركين، عرضت عليهم بعد ذلك دائرة ثانية اشتملت على رموز كان عليهم تجاهلها.
في المرحلة التالية، طلب من المشاركين اختيار شكل مستهدف محدد ضمن قائمة خيارات أحرف تواجدت في مكان محدد من الدائرة الأولى، وبعد ذلك طلب منهم تحديد مدى ثقتهم بالاختيار الذي قاموا به.
اكتشف الباحثون أن المشاركين صرحوا بكثير من الثقة أنهم رأوا النظير الفعلي للحرف الذي كان معكوساً.
وعلل العلماء الخطأ في التقدير بالقول إنه ناتج من معرفة المشاركين السابقة بالألفباء، التي أسهمت في تحديد توقعاتهم، ولم يسببه أي تشابه في أشكال الحروف.
وكتب الباحثون في الدراسة أن “أوهام الذاكرة هذه تبدو كنتيجة للمعرفة بالعالم، ولم تتأت عن تشابهات بصرية”.
أظهرت تجارب أخرى، هي التالية، أن الذكريات الوهمية التي يخال الشخص فيها أن الأحرف المنعكسة أصلية تطغى على الذكريات الوهمية التي يخال الشخص فيها أن الأحرف الأصلية معكوسة.
وفي هذا السياق، لفت الباحثون قائلين: “سنرى بالتالي، إن جمعنا النتائج، أن المعرفة بالعالم قادرة على رسم معالم الذاكرة، حتى إن كانت الذكريات قد نشأت للتو”.
وأشار الباحثون إلى أنه «مجتمعة، تظهر النتائج أن المعرفة العالمية يمكن أن تشكل الذاكرة حتى عندما تكون الذكريات للتو».
كشفت هذه الاستنتاجات أن الذكريات الوهمية قد تظهر حتى لو كان الحافز البصري بعيداً من النظر لفترات زمنية قصيرة جداً، في إشارة إلى أنه حتى لو كانت ذكريات الناس حديثة فعلاً، فالاحتمال قائم بأن تكون وهمية.
وختم الباحثون بالقول: “إن في الأمر إشارة إلى أن الأولويات الداخلية تلعب دوراً حيوياً ليس فقط خلال مرحلة الإدراك الحسي، لكن أيضاً خلال مرحلة التذكر”.