قد لا يضاهي وقع الاتفاق السعودي الإيراني أهميّة إلا التقارب السعودي السوري الذي دخل مرحلة تطبيع العلاقات بين البلدين بعد سنوات عجاف من التأزّم والتردّي. وتنبع أهميّة عودة العلاقات بينهما إلى متغيّرات جوهرية شهدتها المنطقة، والأكثر أهميّة ما ستشهده من تطوّرات ستعيد خلط الأوراق والتموضع وترتيب الخريطة الإقليمية على غير ما كانت عليه في السنوات العشرين الأخيرة.
نقلت “رويترز” أنّ السعودية ستدعو الرئيس بشار الأسد إلى حضور قمّة “لمّ الشمل العربي” في الرياض خلال أيار المقبل. كلّ هذا بقوّة دفع روسية، وببصمات مصرية واضحة، منذ رعايتها التواصل الأمني، وصولاً إلى الإنجاز السياسي الذي يبدو أنّ الإعلان عنه يقترب.
يصبّ لقاء وزيرَي خارجية البلدين في صلب المناخ العربي المستجدّ والسعي إلى الخروج من الاصطفافات المتناقضة إلى منطق التكامل في مواجهة الضغوطات، وعمليّاً أسقط منطق “الجبهة العربية المعادية لإيران”.
بحسب مصادر موثوقة لـ”أساس”، فإنّ العيون شاخصة باتجاه ما سينتهي إليه الاجتماع بين وزيرَي خارجية مصر وسوريا
مُخالفاً كلّ التوقّعات تفوّق وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على كلّ التحليلات وسار عكس التيار واتّخذ قرار التفاوض مع إيران لإجراء تسوية شاملة. بمعاونة العراق جسّ النبض مع سوريا وبدأ التواصل المباشر بين أجهزة المخابرات الذي تخلّله تبادل زيارات لكبار المسؤولين في البلدين، ومن بينهم اللواء علي المملوك، الذي زار الرياض، قبل توجّه حسام لوقا إليها.
بعدئذٍ وبتمنٍّ من روسيا تسلّم ملف التنسيق الأمني حسام لوقا، الشركسي، والقريب من القيادة الروسية، فبات المكلّف رسمياً بالتواصل مع السعودية، التي زارها خمس مرّات متتالية وعاد منها قبل أربعة أيام.
بحسب مصادر موثوقة لـ”أساس”، فإنّ “العيون شاخصة باتجاه ما سينتهي إليه الاجتماع بين وزيرَي خارجية مصر وسوريا”، فيما يبدو أنّ “زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لسوريا قد تحصل في غضون الأيام القليلة المقبلة لتسليم الرئيس الأسد الدعوة. وقبلها قد تتمّ دعوة الأسد إلى حضور إفطار لدول مجلس التعاون الخليجي”.
الأكيد أنّ عودة سوريا إلى الحضن العربي والانفتاح السعودي عليها سيكون ما قبلهما غير ما بعدهما في المنطقة، وسيعيدان بناء المثلّث السوري المصري السعودي.
نهاية الشروط المتبادلة
طوال الفترة الماضية كان شرط سوريا تبادل فتح السفارات، على أيّ مستوى كان، قبل أيّ تواصل سياسي، لما لذلك من رمزية سياسية تركّز عليها سوريا. فيما اشترطت السعودية خروج سوريا من حضن إيران والعودة إلى الحضن العربي، وطلبت تغييرات في علاقة سوريا مع إيران وحزب الله. وهي العلاقة التي كانت السبب في إعلان المواجهة العربية مع سوريا.
بدأت المساعي قبل عامين تقريباً. زار يومها اللواء علي المملوك السعودية وعقد اجتماعاً مع قادة الأجهزة الأمنية. وتوالت الاجتماعات منذ ذلك التاريخ، وتلته اجتماعات بالجملة والمفرّق للأمنيين من البلدين. أمّا الحديث عن زيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا فبدأ قبل نحو عام. لكنّ التراكمات العديدة جعلت المسار بطيئاً.
الأكيد أنّ عودة سوريا إلى الحضن العربي والانفتاح السعودي عليها سيكون ما قبلهما غير ما بعدهما في المنطقة، وسيعيدان بناء المثلّث السوري المصري السعودي
الأسابيع المقبلة أيضاً عودة التمثيل الدبلوماسي بين سوريا والسعودية، إضافة إلى خطوات أخرى لتقريب إيران من دول عربية أخرى. وسيلاحظ قاصد سوريا الزخم في ورشة العمل لترميم السفارة السعودية في سوريا بإشراف مباشر من محافظة دمشق.
هناك أيضاً الجهد المبذول لحلّ الخلاف مع تركيا. لكن لن يقبل الأسد الجلوس مع الرئيس رجب طيب إردوغان وهو يحتلّ جزءاً من أراضيه. يطلب الانسحاب التركي أوّلاً.
أمّا الأهمّ فكان مشهد استقبال الأسد في الإمارات. دخل زائراً رئاسياً على وقع النشيد الوطني السوري. هو مشهد له دلالاته بالشكل والمضمون. بالتنسيق يُقال إنّ السعودية كانت حاضرة.
بعدها كرّت سبحة التحوّلات في المنطقة التي تفتح على خطوات بالغة الأهمية:
– التمهيد لعودة سوريا بزخم إلى الجامعة العربية.
– زيارة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السعودية التي حصلت أمس.
– لقاء مع محمد بن سلمان قبل القمّة العربية.
– مباركة إيران عودة سوريا الى الحضن العربي.
– استعداد دمشق لتلعب دوراً أساسياً في تعزيز التقاطعات السعودية الإيرانية.
– تشجيع الإمارات للأسد على حلّ النزاع مع إسرائيل.. لكنّه غير متسرّع.
لكنّ الغريب أنّ مستشارة الرئيس السوري لونا الشبل كتبت على فيسبوك ما يلي: “حضور الأسد القمّة العربية القادمة يتطلّب عودة دمشق إلى الجامعة العربية أولاً، ونجاح المشاورات التي سوف تُعقد مع السعودية لدى زيارة وزير خارجيّتها دمشق خلال الأيام المقبلة”. وتابعت: “حتى الآن لا يوجد شيء رسمي بخصوص دعوة أو حضور السيد الرئيس للقمّة العربية القادمة”.
قد يكون فيما سبق مبالغات أو تسرّع في المواعيد وطبيعتها إلا أنّ المؤكّد أنّ السعودية بعد الإمارات مشت الخطوة الأولى من مسيرة الألف ميل في اتجاه سوريا.