منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، إلى اليوم والغد وما بعدهما، يرتكز الاهتمام على مراقبة إيران، دورها، أدائها، ومشروعها. وقد توزّعت المواقف الإيرانية منذ البداية، على مستويات محدّدة، بدت وكأنها عرضة لعملية تخطيط قلب. تارة بسقف مرتفع وطوراً بتخفيض السقف إلى حدود الهدوء والدعوة إلى الاستقرار والتحاور والتشاور والبحث في سبيل إطلاق سراح الرهائن. والإيرانيون من أكثر من يختبر مثل هذه الحالات ودراسة الاحتمالات. يصعد إلى حدود بعيدة عندما يكون الخطر بعيداً، ويتراجع إلى حدود الانكفاء ظاهرياً. ورسمياً، لدى استشعار أنّ المخاطر جدّية والمواجهة حتمية.
استقرار بين منزلتين
تبقى منطقة الشرق الأوسط مستقرّة بين منزلتين. منزلة المواجهات المتقطّعة والتي تقود إلى تسويات غير نهائية. ومنزلة الذهاب والتدحرج إلى حرب كبرى وإقليمية. لا أحد يمتلك جواباً حول أيٍّ من الوجهتين ستسير الأمور، خصوصاً بالنظر إلى الكمّ الهائل من المدمّرات البحرية وحاملات الطائرات والقوات البرية. إذ هناك من يرى في تلك الجحافل احتمالاً لحرب إقليمية واسعة تعيد ترتيب الخرائط ورسم مناطق النفوذ وحدودها. إلا أنّ ذلك غير مطروح في الأدبيات والتصريحات الأميركية، بل على العكس، كلّ الإشارات الصريحة تتركّز على أنّ الهدف من هذه القوات، هو الردع فقط، وعدم ترك أيّ طرف آخر يتدخّل في الصراع، في محاولة أميركية لتوفير مظلة للاستفراد الإسرائيلي بقطاع غزة وحركة حماس.
ما تثبته الحرب حتى الآن، هو وضع معطى جديد في المعادلة، تتركّز على إمكانية هزيمة الجيش الإسرائيلي، وهذا نقيض لكلّ الأفكار السابقة منذ الحرب 1967 إلى اليوم
كيف ستنتهي الحرب؟
من الواضح جدّاً، أنه بمعزل عن النتائج التي ستؤول اليها الحرب في غزّة، هناك فشل حتى الآن في الإجابة على سؤال واحد وهو كيف ستنتهي الحرب وماذا بعدها؟ وهذه نقطة أساسية حول عدم امتلاك أيّ جهة لتصوّر واقعي، فيما أكثر التقديرات تذهب باتجاه انتهاء الوضع في غزّة إلى ما يشبه القرار 1701 في جنوب لبنان، أي خلق منطقة عازلة تنظّم فيها المواجهة والاستقرار بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل. خصوصاً إذا ما رُبط ذلك بمفاوضات حول هدنة إنسانية، وإطلاق سراح الأسرى والذي سيكون مرتبطاً بضمانات لكلا الطرفين.
ما تثبته الحرب حتى الآن، هو وضع معطى جديد في المعادلة، تتركّز على إمكانية هزيمة الجيش الإسرائيلي، وهذا نقيض لكلّ الأفكار السابقة منذ الحرب 1967 إلى اليوم، والتي كانت ترتكز على معادلة الجيش الذي لا يُقهر. ولهذه المعادلة ترجمة أخرى تتصل بأنّ الدول العربية لم تستطع هزيمة اسرائيل، إنما حركات المقاومة وأبرزها حلفاء إيران هم القادرون على ذلك. وهذا ما يقود الى سؤال حول كيف ستستثمر ايران هذه النتائج في السياسة؟ في بداية التأثير هو إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصاً أنه كلما تقدمّ النفوذ الإيراني في المنطقة، كلما ضعف منطق الدولة المركزية الوطنية ومؤسساتها، وهو ما جرى في العراق، سوريا، لبنان، اليمن وفلسطين.
إيران تراكم الأرباح
وفق هذه المعادلة، لا تزال إيران غير محتاجة للدخول في الحرب، طالما أنها قادرة على مراكمة الأرباح، ومن بينها أن يكون لها مقابل جرّاء عدم التدخل بها من جهة، وثانياً استشعار أيّ مخاطر قد تنجم عن هذا التدخّل في حال قرّر الأميركيون الانخراط. فيما النقطة الأخرى التي لا بدّ من التفكير بها تتعلّق بعدم دخول حزب الله في حرب واسعة، وهذا سيكون له أثمان سياسية، من رئاسة الجمهورية إلى غيرها من الملفّات. أما النقطة الثالثة، فهو سعي إيران إلى لملمة الوضع في العراق وبعض الشيء في سوريا. كلّ ذلك سيدفع الأميركيين إلى الذهاب للاتفاق مع إيران لا مع غيرها.
في المقابل، هناك من يعتبر أنّ إيران أقدمت على خطوة كبيرة جداً، ولذلك اضطرت الى التراجع بشكل متدرّج، بداية مع النفي والتبرّؤ من أيّ علاقة أو مسؤولية أو تنسيق مع حماس لتنفيذ عملية “طوفان الأقصى” وصولاً إلى إطلالة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان على قناة سي أن أن الأميركية، والتي قال فيها إنّ إيران لا تريد توسيع الجبهات وأنها تدعم المقاومة الفلسطينية سياسياً وإعلامياً. هذا الكلام، يناقض ما قاله في السابق عبد اللهيان عندما أشار إلى الأصابع الموجودة على الزناد، والاستعداد لفتح وتوسيع الجبهات، وأنّ الوقت أصبح داهماً، وصولاً إلى الاختبارات التي أُجريت في استهداف مواقع أميركية في العراق وسوريا بالإضافة إلى إطلاق صواريخ ومسيّرات من اليمن. كلّ ذلك يحصل طالما أن لا استشعار إيران بالاستعداد الأميركي للانخراط في الحرب. أما في حال استشعار العكس، فإنّ طهران ستلجأ إلى التبرّؤ مجدّداً من أيّ علاقة لها بما جرى ويجري. النموذج المثالي هو ما قاله وزير الداخلية الإيراني أنّ بلاده لا علاقة لها بالاعتداءات التي حصلت على القواعد الأميركية في سوريا والعراق.