أحد أبرز العناوين التي ستشكّل محطّة مفصليّة في العلاقة بين الحزب ودول الخليج. هي زيارة المسؤول الأمنيّ في الحزب وفيق صفا للإمارات. عاد صفا إلى لبنان من دون أن يعيد معه مجموعة من أصحاب الأحكام المشدّدة الموقوفين في سجون الإمارات منذ سنوات كما كان مقرّراً. ولكن وسط معلومات أنّ الموقوفين سيعودون تباعاً في شهر رمضان.
لهذا التطوّر أهمّية على مستويَيْ الداخل والخارج. فهل ينتهي الملفّ كما أمل الحزب وكما ضمن له ذلك الرئيس السوري بشار الأسد؟ وهل يستثمر الحزب هذا “الإنجاز” في حسابات التطويق والانفتاح في الساحة السياسية الإقليمية والمحلّية؟ وما هي رسائله إلى الآخرين؟ إلى الحلفاء قبل الخصوم؟
بعدما أصبح الخبر معلناً، لا تزال بعض تفاصيله غير علنيّة، أو على الأقلّ خاضعة لبعض التساؤلات. لا سيما أنّ الحدث بحدّ ذاته شكّل مفاجأة على مستوى العلاقة بين الحزب ودولة الإمارات العربية المتّحدة.
في خلفيّة سريعة فإنّ الموقوفين في الإمارات متّهمون بـ”الإرهاب” و”التعامل مع الحزب وتمويله”، وأحكامهم مشدّدة بالسجن لسنوات عدّة، كلٌّ بحسب حالته. منذ سنوات بقي الملفّ شائكاً على الرغم من دخول أكثر من وسيط لحلّه.
تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب عن محاولات سابقة قام بها الرئيس نبيه بري، لكنّها لم تنجح. بعدها حاول اللواء عباس إبراهيم يوم كان مديراً عامّاً للأمن العام الدخول في وساطة، لكنّها أيضاً لم تصل إلى نتيجة. بقي الملفّ معلّقاً إلى أن دخل الرئيس السوري بشار الأسد على خطّ الوساطة.
يتحدّث مصدر مقرّب من الحزب أنّ ما سيحصل عند عودة وفيق صفا مع الموقوفين والاحتفالات التي سترافقها، ستغيّر من موقف الكثيرين في الداخل
تفاصيل الوساطة
في الكلام عن تفاصيل الرواية، يجزم مصدر موثوق مقرّب من الحزب أنّه حتى الآن لا أبعاد سياسية واضحة أو مباشرة لخطوة التواصل الأمنيّ بين الحزب ودولة الإمارات. ويروي أنّه قبل حوالي ثمانية أشهر جرى تواصل على المستوى الأمنيّ من قبل مسؤولين إماراتيين مع الحزب عبر وزير “مسيحي” سابق. ثمّ تبعته اتصالات متعدّدة بين الطرفين، إلى أن بادر الجانب الإماراتي فجأة ومن دون سابق إنذار بحسب مصادر مقرّبة من الحزب، إلى إبداء رغبته بإقفال الملفّ والإفراج عن اللبنانيين الموقوفين عنده، وهم 9 بينهم طرابلسيّان. الأمر الذي أربك الحزب لشدة غرابته، بحيث لم تفهم قيادة الحزب الخطوة الإماراتية المفاجئة.
نصرالله طلب ضمانة الأسد
بعد التعبير عن إيجابية الجانب الإماراتي، يقول المصدر المقرّب من الحزب إنّ الأمين العامّ للحزب السيد نصرالله بادر إلى التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد طالباً ضمانته للوصول إلى نتائج إيجابية تنهي هذا الملفّ العالق منذ سنوات. أي أن يذهب المسؤول الأمنيّ في الحزب إلى الإمارات ويعود ومعه الموقوفون. وذلك بناء على كلّ السرديّة المعروفة عن التقارب السوري الإماراتي الذي تُوّج بزيارة مفاجئة للرئيس السوري للإمارات في آذار 2023. استقبله فيها بحفاوة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعليه، قام الرئيس السوري باتّصالات مع الجانب الإماراتي لضمان العمليّة. ثمّ أكّد لنصرالله إمكانية تسوية هذا الموضوع واستعداد الإمارات لإقفال الملفّ. فبدأت الترتيبات العمليّة للإخراج، ومن بينها دعوة مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا إلى زيارة الإمارات في طائرة إماراتية خاصة. وصلت مع ضابط إماراتي لاصطحابه، ليعود بعدها إلى لبنان ومعه كلّ الموقوفين.
أحد أبرز العناوين التي ستشكّل محطّة مفصليّة في العلاقة بين الحزب ودول الخليج، هي زيارة المسؤول الأمنيّ في الحزب وفيق صفا للإمارات
هكذا كان الاتفاق قبل أن يعود ويتّضح أنّ وفيق صفا عاد يوم الخميس إلى بيروت من دون الموقوفين. وفي المعلومات أنّ وفيق صفا طالت زيارته للإمارات بسبب بعض الترتيبات اللوجستية المتعلّقة بعائلات هؤلاء الموقوفين التي تقيم هناك وبمصالح ومؤسّسات يملكونها. وبالتالي تستوجب معالجتها لإغلاق الملفّ نهائياً. ورجحت المعلومات أنّ الاتفاق المبدئي انتهى إلى عودة الموقوفين تباعاً خلال شهر رمضان بعد إقفال ملفّاتهم وملفّات عائلاتهم. وفي المعلومات أيضاً أنّ الايجابية في التعامل مع الملف لا تعني بالنسبة إلى الإماراتيين إخراج الموقوفين من دون مسوغات قانونية. وبالتالي يجري العمل على صياغتها خصوصاً للأشخاص الثلاثة المحكومين “مؤبّد”. كما أشارت المعلومات إلى أنّ الإمارات التي تعتبر نفسها دولة قانون عبّرت عن استيائها من الضجة الاعلامية التي رافقت الملف في بيروت.
استثمار سياسيّ للزيارة
على الرغم من الغموض الذي يحيط بكيفية استثمار هذا التطوّر، إذ هل يكون استثماراً داخلياً أو خارجياً؟
تحدّثت مصار متابعة عن أنّ احتمالات الاستثمار السياسي تتعلّق بموضوع اليمن، خصوصاً بعد التهدئة السياسية والإعلامية التي ينتهجها الحزب تجاه بعض دول الخليج العربي، ومن بينها الإمارات. وبالتالي يتمحور الكلام حول إمكانية انسحاب التهدئة من قبل الحوثي على مصالح الإمارات، لِما يربط الحوثيين والحزب من مصالح واحدة ومن تدريب وتنسيق مشترك. ولكنّ هذا الكلام لا يمكن جزمه حتى الساعة بانتظار التسوية التي ستحكم المرحلة المقبلة على المنطقة.
فهل تتّضح فصول الصفقة السياسية قريباً مع اقتراب الهدنة في غزة والتطوّرات الأمنيّة في المنطقة بدءاً بالحوثي وصولاً إلى إيران؟
الاستثمار في حسابات الداخل
داخليّاً، يتحدّث مصدر مقرّب من الحزب أنّ ما سيحصل عند عودة وفيق صفا مع الموقوفين والاحتفالات التي سترافقها. ستغيّر من موقف الكثيرين في الداخل، “الحلفاء” المفترضين قبل الخصوم. يتحدّث المطّلعون على جوّ الحزب عن سقوط فرضيّات تطويق الحزب من الخارج والداخل قائلين: “الإمارات اليوم وغيرها غداً”.
تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب عن محاولات سابقة قام بها الرئيس نبيه بري، لكنّها لم تنجح
كلّ شيء وارد مع التأكيد أنّ الحزب منفتح أيضاً على أيّ انفتاح عليه. لا بل يأمل أن تصل الرسالة إلى حلفائه وتحديداً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي “يمنّن الحزب بأنّه فكّ طوقه الداخلي بالمظلّة المسيحية”. قائلاً إنّ “الحزب أوّل من فكّ طوق الرئيس ميشال عون في الحلف الرباعي بعد عودته من باريس. فكان اليد التي امتدّت إلى التيّار وشاركته عهوداً وعهوداً دخل التيار فيها إلى السلطة من بابها العريض”.
لا شكّ أنّ ما يحصل هو مفترق ومدخل لمرحلة جديدة إقليمياً وداخلياً.
أهم ما فيها أنّ التفاوض المباشر مع الحزب من خلال الحكومة اللبنانية في حرب الجنوب، والمفاوضات المباشرة مع الحزب من خلال الرئيس السوري في قضية موقوفين لبنانيين في الإمارات. تؤكّد أنّ الحزب هو الدولة، وأنّ الدولة اضمحلت إلى نقطة أصبحت فيها العودة طارئة. وإلا فلنعترف أنّ لبنان السابق ولّى وقد دخل البلد في زمن آخر.