يحاول الإسرائيليون التعويض عن الأهداف التي أعلنوا عن السعي لتحقيقها، من خلال شن الحرب على غزة، وهي تحرير الرهائن، وإنهاء حركة حماس عسكرياً، بتحقيق أهداف أخرى من شأنها تغيير الأمر الواقع على الأرض. وهي الأهداف الحقيقية التي ترمي إلى تغيير مادي وسياسي مرتبط بتدمير غزة كلياً، ودفع الناس إلى النزوح والهجرة. وهو ما سيفرض لاحقاً طبيعة التسوية التي سيتم الوصول إليها. لا سيما أن إسرائيل تسعى إلى تدفيع الفلسطينيين الثمن طالما أنها غير قادرة على تدفيعه للجسم العسكري لحماس.
فهناك صمود أسطوري في غزة، توازيه خسائر مهولة. ولكن كلاهما لم يدفعا بمعادلة “وحدة الجبهات أو الساحات” إلى تفعيل عملها، بشكل يسمح لها تغيير موازين القوى ومنع اسرائيل من تحقيق الاجتياح البري أو تهجير الناس من الشمال إلى الجنوب.
العتب على إيران
لم يكن هناك تطبيق لوحدة الساحات بالمعنى الفعلي، خصوصاً على صعيد الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا ما دفع برئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية أن يطالب سكان الضفة بالاعتصام في المسجد الأقصى، مع بداية شهر رمضان، فيما كانت التلويحات سابقاً من قبل إيران وحزب الله بتفعيل الحركة المقاومة في الضفة لدعم المقاومة في غزة.
كل ذلك دفع بالكثير من الجهات المقاومة إلى ابداء العتب على إيران، خصوصاً أن هناك من يعتبر أنها لم تعتمد استراتيجية الدفاع عن قطاع غزة بالشكل العسكري والفعلي، إنما فقط عبر جبهات الإسناد التي لم تؤد إلى تغيير موازين القوى، أو إفشال المخطط الإسرائيلي. ويستند العاتبون إلى ما ورد في كلام وزير خارجية ايران، حسين أمير عبد اللهيان، الذي دعا إلى الحل السياسي وعدم الرهان على المعارك العسكرية.
وهذا يؤدي إلى تكوين وجهة نظر عن أن إيران غير القادرة على الربح بالجملة، تسعى إلى مراكمة أرباح بالمفرق، من خلال قدرتها على إزعاج كل خصومها في ساحات متعددة، طالما أن المعادلة الأساسية هي إبعاد أي ارتدادات أو ردود على الداخل الإيراني، واستدراج عروض تفاوض حول العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة.
الحل الديبلوماسي
في هذا السياق، يبرز تحرك حزب الله العسكري في الجنوب. فاستمراره في القتال ينطلق من خلفية لبنانية بحت، تنسجم مع معادلة وحدة الجبهات. فبالنسبة إلى الحزب، هو يعمل عسكرياً في سبيل منع إسرائيل من شن هجوم على لبنان. وهو ما يتضح في خطابات مسؤولي الحزب، بالإضافة الى تركيز العمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لإبقائها في دائرة النزاع ولأخذ الأحقية في هذا القتال، باعتبارها أراض محتلة لا بد من المقاومة في سبيل تحريرها. وهو ما سيكون مرتبطاً بمسارات سياسية أو تفاوضية يعول عليها اللبنانيون والأميركيون وحتى الإسرائيليين، الذين يقولون إنهم يفضلون الحل الديبلوماسي مع لبنان.
وعليه، سيكون المسار أمام احتمالين، الوصول إلى هدنة خلال شهر رمضان ومحاولة تطويرها لوقف إطلاق نار مقابل اتفاق سياسي، ينص على إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية وتشكيل حكومة جديدة يكون لحماس دور فيها بشكل غير مباشر. أو عدم القدرة على تطوير اتفاق الهدنة واستئناف العمليات العسكرية، ما سيدفع الإسرائيليين إلى استكمال مشروع التهجير وخلق مناطق عازلة والإصرار على السيطرة الأمنية والاستخبارية على القطاع.
فصل الجبهات
أما في لبنان، فإن انخفاض المواجهة في غزة سيكون له انعكاس على الجبهة اللبنانية، علماً أنه في مضمون المفاوضات هناك محاولات دولية وأميركية خصوصاً لفصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، بغض النظر عن ربط توقيت المفاوضات اللبنانية بوقف مسار العمليات على قطاع غزة.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن كل التصعيد العسكري الحاصل حالياً، واستخدام حزب الله لأسلحة جديدة، منها السلاح الذي أسقط الطائرة المسيرة الإسرائيلية أو الصواريخ التي استهدف بها قاعدة ميرون، غايتها رفع سقف التفاوض والتمهيد لفتح مساره على وقع الهدنة في غزة. هنا تقول المصادر إن الرسائل الأميركية لا تزال واضحة حول ضغطها على إسرائيل لمنعها من القيام بأي تصعيد في لبنان. وهذا يعني أن كل ما يجري لا يزال تحت السقف المضبوط بانتظار الوصول إلى تفاهم، إلا اذا اختارت اسرائيل سلوك طريق مغاير ومفاجئ يضع الجميع تحت الأمر الواقع.