ثوب جديد ارتداه المبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين، في زيارته الأخيرة إلى لبنان. يحرص الرجل أن يظهر دوماً بإطار أوسع من حصر مهامه بملف الطاقة والتنقيب عن النفط والغاز. ولذلك، هو أعطى ثلاثة أبعاد لزيارته. البعد الأول، والذي يشكل أولوية، هو تهدئة الوضع في الجنوب، والوصول إلى تفاهم يتجنب من خلاله لبنان الحرب. البعد الثاني، هو إبقاء اهتمامه بملف الطاقة والغاز والنفط. وهو ما انعكس في لقائه مع وزير الطاقة والمياه. أما البعد الثالث، فيمزج ما بين الأوضاع العسكرية والمسألة الحدودية والاستحقاقات السياسية. صحيح أن هوكشتاين أطلق على رئيس مجلس النواب نبيه بري لقب الـ”The Boss”، لكنه فعلياً يريد لهذا اللقب أن ينطبق عليه هو.
يزور الرجل لبنان متسلحاً بإنجاز شخصي عمل على تحقيقه سابقاً في الترسيم البحري. وهو يريد تكرار التجربة برّياً.
المفوض السامي؟
تحدث المبعوث الأميركي بمضمون واحد. فتارة استخدم لغة واحدة، وطوراً نوّع في اختيار عباراته، بين الحرص على التهدئة وتكريس الهدوء، وبين التحذير وإبداء التخوف، أو الحديث عن ضرورة الوصول إلى حل شامل أو وقف دائم لإطلاق النار أو إرساء السلام والاستقرار. كل هذه العبارات حضرت في لقاءاته، إلى جانب تحفيز اللبنانيين على لغة واحدة تكون ضاغطة على حزب الله، حول ضرورة وقف الحرب وعدم تبنيها، والضغط في سبيل نشر الجيش على الحدود، وأن يكون وحده الجهة المعنية في حمايتها.
كل ذلك يدفع اللبنانيين لقراءة شخصية الرجل ومهامه بمنظور مختلف عن الآخر. فالبعض اعتبره مفوضاً سامياً، والبعض الآخر وجد فيه أنه يسعى إلى تطويق كل المساعي الأخرى من فرنسية وبريطانية وغيرها، وحصرها بشخصه وببلاده، وإن كانت تمتد من إرساء التهدئة إلى رئاسة الجمهورية، التي جرى المرور عليها بشكل عابر، ولكن بما يحتمل مؤشرات عديدة.
لعبة الانقسامات
جاءت زيارة هوكشتاين على وقع ارتفاع منسوب الانقسامات الإسرائيلية، خصوصاً في ضوء زيارة عضو الحكومة الإسرائيلية بني غانتس إلى الولايات المتحدة الأميركية، رغماً عن إرادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي حاول التشويش على الزيارة. هذا أيضاً يمثل توتراً كبيراً في العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأميركية. وكأن هناك من يريد إظهار انقسام سياسي لبناني عمودي في المقابل، من خلال التركيز على إظهار مواقف قوى سياسية معارضة لحزب الله ولكل توجهاته.
طبعاً هذا الأمر مفهوم، ويندرج في إطار التوجهات السياسية المتضاربة. لكن ما هو أبعد من ذلك، أن يذهب البعض إلى تشبيه زيارة هوكشتاين إلى بيروت، بزيارة كوندوليزا رايس في العام 2006، والتي اعتبرت حينها بأنها محاولة لتشكيل قوى سياسية اعتراضية على خيار حزب الله في الحرب واستمرارها.
تحذير واضح
من الواضح ان هوكشتاين لم يطرح مسألة تطبيق القرار 1701 كاملاً، بشكل فوري وسريع، وهو يعلم أن تطبيقه يحتاج إلى مراحل، وكل مرحلة تحتاج إلى وقت. لكن الأساس بالنسبة إليه الوصول إلى وقف لإطلاق النار وإعادة السكان المهجرين على جانبي الحدود. وبعدها يمكن الانتقال للبحث في تطبيق كامل مقررات القرار الدولي.
قرأ اللبنانيون مضامين مواقفه بتناقضات واضحة. فبعضهم أبدى ارتياحاً للمسار الأميركي، وأن التفاوض لا يزال موضوعاً على السكة لتجنب التصعيد. في المقابل، هناك من يبدي تخوفاً جدياً من احتمال تدهور الأوضاع، خصوصاً عندما قال هوكشتاين إن هدنة غزة ليس بالضرورة أن تنسحب على لبنان. وهذا يجب أن يكون مرتبطاً بتغيير الواقع العسكري والأمني في الجنوب وعلى الخطّ الأزرق. وهو يقصد بشكل أو بآخر مسألة انسحاب حزب الله أو سحب أسلحته. لكن ما يجمع عليه اللبنانيون أن رسالة هوكشتاين تتضمن تحذيراً واضحاً، قد يرقى إلى مستوى التهديد ولكن بلغة ناصحة.
“الزمن تغيّر”
في بعض اللقاءات جرى التطرق إلى التفاصيل المقترحة لصيغة الحل، ومن ضمنها وقف الأنشطة العسكرية لحزب الله في جنوب نهر الليطاني، وتفكيك الأسلحة الثقيلة وسحبها إلى الخارج. وعندما سئل عن كيفية التأكد من ذلك، أجاب أن الإسرائيليين يعلمون وقادرون على المعرفة. لكن هذا الكلام في مضمونه يتناقض مع المطلب الأساسي لدى حزب الله حول تطبيق اسرائيل للقرار 1701 ووقف الخروقات للأجواء اللبنانية ووقف تسيير الطائرات المسيرة أو الحربية في سماء لبنان.
سياسياً، كان هناك حرص لدى قوى المعارضة لتمرير موقف رافض لأي محاولة مقايضة بين تسوية الوضع في الجنوب وبين التسوية السياسية في الداخل. ولذلك شدد نواب المعارضة على مسألة رفض أي هدايا أو أن يدفع لبنان ثمناً سياسياً لحزب الله لقاء أي ترتيب للوضع الجنوبي. هنا تقول المصادر إن المعارضين سمعوا من هوكشتاين أن الزمن قد تغير وتجاوز مثل هذه المراحل.