لم يكن الاستحقاق الرئاسي في لبنان على هذا القدر من الاهتمام المحلي والإقليمي والاستعجال الدولي منذ عدة أشهر كما هو عليه اليوم، حيث برزت في الأيام القليلة المنصرمة إشارات ومعطيات تؤكد بأن الملف الرئاسي لم يدخل في غياهب النسيان كما أعتقد البعض بفعل التطورات التي تعصف في المنطقة، وأن ما يجري من لقاءات ومشاورات في السر والعلن، وفي الداخل والخارج، يؤكد بأن عملية انتخاب رئيس للجمهورية انتقلت من حيث المقاربة الى مرحلة جديدة، ومناخات أفضل، وأن اللقاء الذي جمع السفيرين السعودي وليد بخاري، والإيراني مجتبى أماني في دارة الأول في اليرزة ما هو إلّا ترجمة لهذه المناخات الجديدة، وانعكاس للانفتاح الحاصل بين البلدين وتوافقهما على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان بعيدا عما يجري في المنطقة من مستجدات، وذلك من منطلق التأكيد على ضرورة أن ينتظم عمل المؤسسات في لبنان وهذا لا يحصل من دون انتخاب رئيس للجمهورية.
وإذا كان لم يسرّب أية معلومات عن فحوى ما جرى بالفعل بين السفيرين، غير ان مجرد اللقاء يوضع في الخانة الإيجابية، التي ستتواصل مع اللقاءات التي يجريها الرئيس نبيه بري في عين التينة مع سفراء الدول الممثلة في «اللجنة الخماسية» الخاصة بلبنان والتي ينتظر أن تعقد اجتماعا لها في غضون أيام قليلة يرجح أن يكون في المملكة العربية السعودية في دلالة واضحة على ان المملكة بدأت تتعاطى مع الملف الرئاسي اللبناني بالمباشر.
ويبدو ان هذه الحركة الدبلوماسية ان من خلال الاجتماعات التي تعقد في بيروت، أو من خلال اجتماع «الخماسية» المرتقب، تشكّل قوة دفع للموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي يقوم بمروحة من اللقاءات مع الدول المعنية قبل أن يزور بيروت في شباط المقبل وفق ما قاله السفير الفرنسي أمام لجنة الشؤون الخارجية النيابية التي حضر اجتماعها الأسبوع الماضي في مجلس النواب، وستكون هذه الزيارة مختلفة عن سابقاتها في حال لم تتبدد المناخات الموجودة حاليا، وهي ستكون ترجمة لما تتوافق عليه «اللجنة الخماسية» التي تحرص على فصل مسار الانتخابات الرئاسية في لبنان عن التطورات الحاصلة في المنطقة، ولا سيما في غزة.
وليس واضحا الى الآن عما إذا كانت «الخماسية» ستتحوّل الى «سداسية» مع انضمام إيران إليها، غير ان مصادر سياسية تؤكد بأن طهران وان كانت غير منضوية في إطار هذه اللجنة لأسباب معينة، غير أن طيفها موجود من خلال الاتصالات والمشاورات التي تحصل على أكثر من صعيد، وإيران وفق المعلومات تبدي مرونة كبيرة في تسهيل انتخاب الرئيس، وهي تؤكد في أكثر من مناسبة انها لن تكون حجر عثرة أمام ما يتم التوافق عليه بهذا الشأن.
وحول ما يُحكى عن طرح فرنسا المقايضة بين الرئاسة والقرار 1701 وفصل الاستحقاق عما يجري في غزة، ينفي «حزب الله» ذلك جملة وتفصيلا، مع التأكيد على لسان مسؤول العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف، بأننا لا نقبل أن تحصل مقايضة بين الرئاسة وما يجري في غزة، وأن هذا الموضوع ليس مطروحا في الأصل، ولم يفاتحنا أحد به، مشدّدا على اننا لا نقايض الرئاسة بدماء الشهداء على الإطلاق.
في هذه الأثناء تكشف مصادر مطّلعة ان من بين المشاورات التي تجري بعيدا عن الأنظار لتحضير المناخات الملائمة لعملية انتخاب الرئيس، تواصل النائب طوني فرنجية مع أحد النواب التغييريين وهو النائب إلياس جرادي بغية تأمين أصوات 7 نواب تغييريين الى جانب والده المرشح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وقد أبلغ جرادي فرنجية ان هناك ثلاثة نواب موفّرين، وان الجهد سينصب على الآخرين وعلى النائب أسامة سعد، والنائب عبد الرحمن البزري.
ووفق المصادر ان فرنجية ألمح الى الاستعداد بأن يكون للتغييريين حصة في الحكومة الجديدة، وكان ردّ جراد بأننا نفضّل أن نشارك بوزير، مشترطا أن يكون من الحصة الشيعية، فردّ فرنجية ان هذا الموضوع ليس عندي، لكن من الممكن مفاتحة الرئيس بري بالأمر، وما إذا كان يقبل أن يقايض من حصته مسيحي بآخر شيعي. وانتهى التواصل عند هذا الحد واتفق الجانبان على مواصلة النقاش.