لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا بالواجب في إكمال النصاب ورعاية الاسترخاء البلديّ المستمرّ منذ عام 2022 حين أُقرّ التمديد الأوّل بسبب التزامن مع الانتخابات النيابية والتمديد الثاني عام 2023 لعدم توافر الاعتمادات الماليّة التي كانت “متوافرة”!!
حتى أيّار العام المقبل تكون البلديات قد أكملت تسع سنوات من ولايتها مُعزّزة مُكرّمة بحضن السلطة. بات المشهد مُملّاً إلى حدّ توقّع التمديد الرابع إذا بقي طيف الحرب قائماً ورئاسة الجمهورية “ضائعة”. صحيح أنّ الثنائي الشيعي كان صاحب القرار الأوّل في رفض إجراء الانتخابات البلدية واستثناء الجنوب، لكنّ العديد من التكتّلات النيابية على اختلاف أوزانها أصحاب مصلحة في ذلك، بما في ذلك بعض قوى المعارضة، لكنّ المزايدات تَفعل فِعلها.
عمليّاً، في جلسة اليوم التي تناقش الاقتراح المقدّم من النائب جهاد الصمد سينقَسِم المجلس بين مُعارضة مُقاطِعة للجلسة وبين مؤيّدي التمديد داخل البرلمان ونواب سيحضرون ويصوّتون ضدّ، مع محاولة لغسل ماء الوجه من خلال طرح فكرة تقليص التمديد إلى أقلّ من سنة بحيث تكون الحكومة مُلزمة، كما في التمديد السابق، بإجراء الانتخابات حين تتوافر ظروفها. كما لم يتمّ التوافق بعد على “تشريع” عودة البلديات المنحلّة إلى العمل في فترة التمديد من خلال تراجع أعضائها عن استقالاتهم، إذ تعترضه موانع قانونية وشخصية بسبب حجم الاحتقان داخل البلديات المنحلّة.
حتى أيّار العام المقبل تكون البلديات قد أكملت 9 سنوات من ولايتها مُعزّزة مُكرّمة بحضن السلطة. بات المشهد مُملّاً إلى حدّ توقّع التمديد الرابع
جرادة: ثلاثة خيارات مُحرِجة
تدليلاً على الإحراج الذي وضعت الحكومة بعض النواب أمامه يقول النائب الياس جرادة لـ “أساس”: “هناك ثلاثة خيارات مرّة: إمّا إجراء الانتخابات في وضع لا يسمح بذلك، أو إجراؤها واستثناء مناطق، وهذا الأمر غير مستحبّ، أو تأجيلها. في كلّ موقف حرج كبير. إذ لا يمكن الدفع باتّجاه إجراء انتخابات غير ممكنة في ظلّ الوضع العسكري الراهن، أو التأجيل لأنّه غير منطقي ولا بدّ من إعادة ضخّ الدم الشبابي في البلديات، أو القيام بانتخابات جزئية عبر استثناء الجنوب”.
يُبقي جرادة قرار مشاركته بالجلسة معلّقاً حتى اليوم، مؤكداً أنّه “ضد مقاطعة جلسات التشريع في مجلس النواب ونحن نحضّر لاقتراحات قوانين هامّة، لكن وُضِعنا أمام موقف صعب، سيما وأن الدعوة لإجراء الانتخابات مهما كلّف الأمر يدخل في إطار المزايدات، وعدم إجرائها يشكّل انعكاساً لحالة الفشل لأن الانتخابات كان يُفترض من البداية أن تجرى في موعدها قبل سنتين، وفي الوقت نفسه أنا لا أؤيّد إجراء انتخابات جزئية تستثني بعض المناطق”، مشيراً إلى أن “كل الخيارات سيئة واليوم يحمّلوننا نتيجة أفعالهم”.
درغام: “ما حدن قابضها جدّ“
من جهة أخرى، يبدو أنّ لاصطفافات التصويت على التمديد دلالاتها في السياسة، خصوصاً لجهة تموضع التيار الوطني الحر إلى جانب الثنائي الشيعي في مواجهة الفريق المُشيطِن للتمديد وفي ظلّ مرحلة كسر الحواجز مع الرئيس نبيه بري.
ينفي النائب في تكتّل لبنان القوي أسعد درغام هذا الاستنتاج مذكرّاً بأنّ “نواب التكتّل شاركوا في التمديدَين السابقين في عزّ الخلاف مع الرئيس بري”. ويقول لـ “أساس”: “بين التمديد والفراغ قرارنا واضح، إذ لا يمكن تسليم كلّ البلديات والمخترة للمحافظين والقائمقامين، كما أنّ استثناء الجنوب يحتاج إلى قانون، وهذا القانون قد يتعرّض للطعن بسبب ضربه لوحدة التشريع، فتصبح هناك بلديات تعمل لستّ سنوات وأخرى لسنوات أقلّ”.
يضيف درغام: “بالمحصّلة، لمسنا فعلاً صعوبة كبيرة في إجراء الانتخابات البلدية في هذا الظرف. كما أنّ لقاء وفد التيّار مع وزير الداخلية بسام المولوي قبل أيام كشف لنا قيام الوزارة بواجباتها من أجل حصول الانتخابات عبر دعوة الهيئات الناخبة وتحديد مواعيد الانتخابات بعدما كانت مديرية الأحوال الشخصية قبل إحالة العميد الياس الخوري إلى التقاعد قد أعدّت القوائم الانتخابية وأنجزت توزيع أقلام الاقتراع، لكن فعليّاً “ما حدن قابضها جدّ” والماكينات الانتخابية نائمة والجميع غير جاهز، حيث يسلّم رئيس الحكومة والعديد من القوى السياسية ضمناً بصعوبة إجرائها وصولاً إلى المرشّحين”.
أمّا في ما يتعلّق بموقف قوى المعارضة الرافضة للتمديد يقول درغام: “تبيّن تقديم ثلاثة ترشيحات للبلدية فقط في جبل لبنان مركز الثقل للقوى المعارِضة، فلماذا لم “تُغرَق” هذه المحافظة بالترشيحات البلدية، الأمر الذي كان يمكن أن يشكّل رسالة سياسية جدّية؟”.
كلّ مسار التقارب على خطّ برّي-باسيل والاستيعاب المتبادل للخلافات بين باسيل والحزب لم يُسهِما في تقريب وجهات النظر بموضوع رئاسة الجمهورية داخل هذا الفريق
بين البلديّات والرئاسة
هذا الموقف المُعلَن للتيار لا يَحجب المشهد الذي بدأ يرتسم على خطّ البيّاضة-عين التينة. باتت الانتخابات البلدية تفصيلاً صغيراً أمام محدلة التموضعات السياسية التي ستتوَّج باصطفافات الجلسة الحاسمة في انتخابات رئاسة الجمهورية، فيما يراها البعض “تسليفة” من باسيل أخذت بالاعتبار موقف الثنائي الرافض لـ “انتخابات بلدية من دون الجنوب” في محاولة لاستثمارها لاحقاً في استحقاق رئاسة الجمهورية.
هنا بدا لافتاً تزامن إكمال النائب باسيل النصاب و”الميثاقية المسيحية” لجلسة التمديد للبلديّات وتثبيت التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية مع تقديمه “خارطة طريق” مفصّلة لانتخاب الرئيس في حال سقوط قرار التوافق على المرشّح، وذلك، كما قال، “من خلال جلسات انتخاب متتالية في دورات متتالية لفترة ثلاثة أيام خلال أسبوع. وفي حال تعذّر وصول أيّ مرشّح إلى سقف الـ 65 صوتاً، أعطينا أفكاراً لكيفية ضمان حصول ذلك في الأسبوع الذي يلي. لكن يبقى الالتزام الأهمّ العلني والواضح بالسعي إلى التوافق”.
تقول أوساط مطّلعة إنّ “باسيل حاول المواءمة بين مشهد مشاركته في جلسة تشريع إضافية هي الرابعة في ظلّ الفراغ الرئاسي والثانية في سجلّ مجلس النواب الحالي، وبين محاولته المستمرّة لابتداع مخارج تبدو معطّلة حتى الآن بسبب الفيتوات المتبادلة وأكبرها فيتو باسيل على النائب سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون”.
خلاف باسيل-الثنائيّ
لكنّ المفارقة تكمن في كون خلاف باسيل والثنائي الشيعي هو المعطّل الأوّل اليوم لإجراء الانتخابات الرئاسية، وأيّ اقتراح من جانب رئيس التيار الوطني الحر يحتاج، قبل نيل موافقة باقي القوى السياسية، إلى ضوء أخضر شيعي كي يُترجَم إن لجهة التوافق على اسم أو الذهاب نحو خيار الدورات المتتالية.
يقول مصدر نيابي لـ “أساس”: “حتى اليوم كلّ مسار التقارب على خطّ برّي-باسيل والاستيعاب المتبادل للخلافات والتمايزات بين باسيل والحزب لم يُسهِما في تقريب وجهات النظر بموضوع رئاسة الجمهورية داخل هذا الفريق، لا بل إنّ الرئاسة قد تكون المَفصِل الذي قد يرمي باسيل مجدّداً في حضن خصوم الثنائي”.