يُقدّم تكتّل “الاعتدال الوطني” طرحاً لا يَكسر أحداً في الشكل ما دام الجميع “سيتداعى” للتشاور في مجلس النواب، ثمّ يُرفَع الطلب إلى الرئيس نبيه بري لعقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية، لكنّ نتيجة الانتخاب قد تفعل ذلك في وقت لا تزال الفيتوات المتبادلة ضدّ بعض المرشّحين تتقدّم كلّ وساطة داخلية أو خارجية!
يَنتظر الداخل اللبناني تحرّك “أساطيل” مواقع القرار في الخارج لتقول كلمتها في الاستحقاق من التفاوض الأميركي-الإيراني إلى تحديد “بوصلة” السعودي والفرنسي والقطري والمصري. كما تتّجه الأنظار إلى مفاوضات باريس حول الوقف التدريجي لإطلاق النار وإطلاق الأسرى والترتيبات الأمنيّة في غزة في رهان لبناني على أن “يَزمط” الاستحقاق ضمن المرحلة الأولى أو الثانية لمفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل.
يركّز المراهنون على هذا المسار على نقطة أساسية فيه تتجلّى في “طمأنة” الحزب إلى أنّ أيّ مبادرة منه في الملفّ الرئاسي، تحديداً قبوله التفاوض حول اسم غير سليمان فرنجية، ستُقابَل بعدم إلزام الحزب بترتيبات أمنيّة تضيّق نطاق عمله الأمنيّ والعسكري على الحدود الجنوبية، أقلّه في سياق المراحل الأولى من التهدئة المتدرّجة في غزة التي تنعكس حتماً على جنوب لبنان.
هذا النوع من الضمانات لا تُقدّمه تكتل الاعتداال الوطني، بل يحتاج إلى ضوء أخضر إقليمي-دولي. فما الذي سيجرّ الحزب، مجرّداً من أيّ ضمانات، إلى أن “يتشاور” في مجلس النواب على الرئيس المقبل واضعاً مرشّحه فرنجية بمواجهة أكثرية “طابشة” ضدّ وصوله إلى قصر بعبدا؟ وإلى أيّ مدى أصلاً ستُستَثمر هذه الإيجابية التي يعبّر عنها المرحّبون بمبادرة “كتلة الاعتدال” من الرئيس نبيه بري إلى سمير جعجع وصولاً إلى جبران باسيل لكسر الاصطفافات؟ وما فائدتها من دون منح الرئيس بري شخصيّاً مع كتلته الغطاء النيابي لها إذا جرى التسليم بإمكان فصل موقف برّي عن الحزب الصامت الأكبر في الموضوع الرئاسي؟
بأسوأ السيناريوهات الرئاسية لن نشهد على جلسة مواجهة أو كسر عظم بين فرنجية وقائد الجيش. لا الحزب يرغب بذلك ولا حليفه باسيل ولا الرئيس بري
آلان عون: الأكثريّة “الخارِقة“
يقول النائب في تكتّل لبنان القوي آلان عون لـ “أساس”: “على الرغم من إيجابية أيّ حراك في ظلّ الجمود الذي نعيشه على صعيد الأزمة الرئاسية، إنّما من الصعوبة على مبادرة نواب الاعتدال أن تصل إلى خواتيمها دون أن يحصل توافق ما يُواكب هذا الحراك”.
يضيف عون: “يجدر الاعتراف بأنّ لبنان لم يصل إلى مرحلة يُنتخَب فيها الرئيس دون معرفة هويّته مسبقاً، وبالتالي لن تحصل جلسات بنصاب الثلثين إلا إذا سبقها توافق بين أكثرية متنوّعة، أي خارقة للاصطفاف الحالي بين الثنائي والمعارضة، ولذلك كلّ محاولة أو مبادرة لا تأخذ هذا الواقع بالاعتبار ستصطدم عاجلاً أم آجلاً بجدار هذه الحقيقة”.
الغطاء السعوديّ
لكن ماذا عن الغطاء السعودي للمبادرة؟ يقول نائب كتلة “الاعتدال” أحمد الخير لـ “أساس”: “ليس هناك غطاء، بل مبادرة وُلِدت من رحم “كتلة الاعتدال” بعد التشاور مع الرئيسين برّي وميقاتي والمرجعيات الروحية و”المجموعة الخماسية”، والجميع أبدى إيجابية كبيرة حيال المبادرة”، لافتاً إلى أنّ “الخماسية، سيّما المملكة العربية السعودية، تدفع باتّجاه إنهاء الشغور الرئاسي، ومبادرة “الاعتدال” تجسّد فعليّاً توجّه المجموعة الخماسية والمملكة بتوافق اللبنانيين، في وقت كلّنا نعلم صعوبة الوضع وخطورة ربط جنوب لبنان بوضع غزة الذي سيكون دونه عواقب وخيمة. لنا مصلحة وطنية واستراتيجية بأن يكون هناك رئيس على طاولة المفاوضات حين يأتي أوان التسوية، خصوصاً لجهة تطبيق القرار 1701″.
ينفي النائب الخير وجود “ضغوط من قبل الخماسية لتزكية خيار رئاسي على حساب آخر، كما لدى تكتّل الاعتدال نفسه حسن نوايا بطرح المبادرة من دون خيارات مسبقة”.
مشهديّة انتخاب ميشال عون عام 2016 لا تزال ماثلة أمام الجميع: الحزب انتخبه وبرّي حَجَبَ أصوات كتلته عنه تحت سقف توافق داخلي حريريّ-قواتيّ-حزبلّاويّ عليه
جعجع وباسيل
مسيحياً يبدو واضحاً أنّ كلّاً من جعجع وباسيل وضعا شروطاً مسبقة قبل الوصول إلى جلسة الانتخاب الأولى والمفترض، وفق المبادرة، أن تدشّن حصول دورات متتالية حتى انتخاب الرئيس مع تعهّد بعدم تعطيل النصاب: يستحيل على جعجع أن يذهب إلى جلسة و”طيف” فرنجية يُرفرِف فوقه، وباسيل لن يمشي بتسوية تجعل من احتمال فرنجية وقائد الجيش جوزف عون وارداً، وهو يتصرّف على أساس أنّ الورقة “المحروقة” هي مرحلة فرنجية-عون وليست فرنجية-أزعور، والخيار الثالث يتجاوز حتماً اسم قائد الجيش.
بري
هذا ما دفع رئيس التيار الوطني الحر أخيراً إلى القول: “سنتكلّم سلباً أو إيجاباً عن هذا الحراك بحسب نتائجه”. أمّا الحزب فمشكلة الآخرين معه التي لا تزال قائمة هي قبوله بالجلوس إلى الطاولة للتفاوض حول فرنجية فقط، والرئيس بري لا يرى رئيساً يتعاطى معه بأريحيّة سوى سليمان فرنجية.
لا مواجهة بين فرنجيّة وعون
بأسوأ السيناريوهات الرئاسية لن نشهد على جلسة مواجهة أو كسر عظم بين فرنجية وقائد الجيش. لا الحزب يرغب بذلك ولا حليفه باسيل ولا الرئيس بري.
كلّ هذه الجلبة الرئاسية المُستجِدّة تُختصَر، وفق مصدر معنيّ بكواليس الملفّ الرئاسي، بكلمتين: الثنائي الشيعي. هل يقبل بالتخلّي عن فرنجية أو يمنح أحد قطبيه، نبيه بري، الغطاء لجوزف عون فيُنتَخب رئيساً؟
مشهديّة انتخاب ميشال عون عام 2016 لا تزال ماثلة أمام الجميع: الحزب انتخبه وبرّي حَجَبَ أصوات كتلته عنه تحت سقف توافق داخلي حريريّ-قواتيّ-حزبلّاويّ عليه. يومها سقط “الجنرال” في الدورة الأولى إذ لم ينل ثلثَي أصوات المجلس، ولم يُنتخب رئيساً إلا في جولة الاقتراع الثانية بدورتها الثالثة بـ 83 صوتاً.
موعد اللقاء مع الحزب لم يحدَّد بعد
يُذكَر أنّ تكتّل “الاعتدال الوطني” يضمّ ستّة نواب هم إضافة إلى كتلة “إنماء عكار” (محمد سليمان، وليد البعريني، سجيع عطية، أحمد رستم) كلّ من النائبين أحمد الخير (المنية) وعبد العزيز الصمد (الضنّية). وقد تمّ الإعلان عن ولادة التكتّل في حزيران 2022 وأمانة سرّ التكتل للنائب السابق هادي حبيش.
كلّ الجلبة الرئاسية تُختصر بكلمتين: الثنائي الشيعي. هل يقبل بالتخلّي عن فرنجية أو يمنح أحد قطبيه، نبيه برّي، الغطاء لجوزف عون فيُنتَخب رئيساً؟
في ما يتعلّق بمراحل تنفيذ المبادرة يوضح النائب الخير: “المرحلة الأولى هي اللقاءات مع القوى السياسية وحين يتوافر حضور ممثّلي ثلثَيْ المجلس سوف نتداعى كنواب للاجتماع، وعندها سيكون لدينا مطلب نحمله إلى الرئيس برّي بوجود أكثر من 86 نائباً يطالبون بفتح المجلس. ثمّ تأتي الخطوة التالية بالجلوس معاً والتحاور على إمكانية التوافق على مرشّح أو اثنين أو مجموعة مرشّحين، لنذهب بعدها إلى جلسات بدورات متتالية”.
في هذا السياق عَلِم “أساس” أنّ الموعد مع نواب الحزب لم يتحدّد بعد، فيما يلتقي نواب “الاعتدال” اليوم عدداً من النواب المستقلّين والتغييريّين، وكتلة “اللقاء الصيداوي” وكتلة “التجدّد”، وغداً الثلاثاء يلتقون رئيس الحزب الاشتراكي تيمور جنبلاط، ولاحقاً المرجعيات الروحية.