يحاور جبران باسيل تحت سقف بكركي، يتعهّد بالالتزام ببنود محددة، ثم يأخذه إغراء نقابة المهندسين، إلى بيع ملف التمديد للبلديات، إلى الثنائي «أمل» و»حزب الله» الرافض لإجرائها، ويؤمّن النصاب في جلسة التمديد، ثم يبرر الأمر، بأنّه كان على مفترق خيار بين التمديد أو الفراغ. هي حلقة مكررة، من مسلسل بات ثابتاً في مدرسة العماد ميشال عون، التي تتلمذ فيها جبران باسيل، على نقض العهود إذا ما كان الثمن مجزياً، وقد اعتقد باسيل أنّ تعويم «التيار» يتم عبر الفوز بمركز نقيب المهندسين، ولو بثلاثة آلاف صوت تابعة للثنائي.
ماذا يعني كل ذلك؟ وهل سيؤثر على الحوار الذي ترعاه الكنيسة عبر المطران أبو نجم؟ هذا الحوار الذي قطع نظرياً مسافة لا بأس بها، ولم يتبق إلا الاتفاق على بند السلاح غير الشرعي. كان كل شيء يسير على ما يرام، إلى أن قرر باسيل السير بالتمديد، خارقاً بنداً أساسياً في الوثيقة التي يتم إعدادها، وهي بند الالتزام بالدستور، وبإتمام الاستحقاقات الدستورية في موعدها.
لم يكن سهلاً على المطران أبو نجم تقبّل ما قام به باسيل، لكنه وجد نفسه مرة جديدة، مضطراً للعب دور إطفائي الحرائق، حيث طلب من «التيار» و»القوات» وقف إطلاق النار الإعلامي، كي يتم استئناف الحوار حول الوثيقة. وبغض النظر عن حقيقة عقد جلسات حوارية جديدة بعد التمديد، أو عدمه، فقد أصيب الحوار بالعمق، وتأكد المؤكد مرة ثانية وثالثة، بأنّ «التيار» لا يلتزم بالعهود، وهو يتبع مصالحه الضيقة، ويرمي جانباً كل ما التزم به، إذا ما شعر أن هناك مكسباً يستأهل نقض العهود.
ليست خطورة ما قام به باسيل، مجرد القبول بالتمديد للمجالس البلدية والاختيارية، بل ما يمكن أن يصل إليه في الملف الرئاسي، فبعد التمديد البلدي، فتح باسيل الباب مع «الحزب» لمقايضة رئاسية، واستمر بابتزازه موحياً بأنه يمكن أن يتفاهم مع المعارضة، وأنه يمكن أن يوقع على وثيقة تطالب بتسليم السلاح، وبالتأكيد لن يفعل كل ذلك، بل هو يتعمد توسل هذه الأساليب، كي ينال من «الحزب» جوائز وهدايا حجبت عنه، بعد ترشيح «الحزب» لسليمان فرنجية.
كل هذه الوقائع والمناورات باتت بتصرف الكنيسة والمطران أبي نجم تحديداً، والكنيسة تعرف كيف تفضح سياسسات «الضحك على الذقون»، لا سيما إذا حصل نقض التعهدات، فيما الحبر المكتوب بها لم يجف بعد. الكنيسة تعرف أنّ الاستمرار بهدر الوقت على حوار، أحد أطرافه لا يملك من قراره، إلا اختيار المصالح الضيقة، من دون امتلاك القدرة على بلورة تحول جوهري في التموضع والخيارات، سيكون مساراً عقيماً في توقيت لا يحتمل المزيد من العبث.