يكتمل النصاب “الرئاسي” بعد غد الأربعاء في جلسة مجلس النواب حضوراً وتصويتاً بالثلثين من الدورة الأولى، لكنّ الرئاسة لا تزال تُطبَخ على نار التفاوض الإقليمي والدولي وحسابات ما بعد غزة و”حرب” رفح التي قد تؤخّر الهدنة المنتظرة أشهراً. مع ذلك كرّر الرئيس نبيه بري دعوته: “بالحوار العقلاني والموضوعي يمكن إنجاز الانتخابات الرئاسية بأقلّ من عشرة أيام”.
منذ إعلان الرئيس بري جلسة “مناقشة الموقف من الهبة الأوروبية” نشطت الاتصالات، وفق معلومات “أساس”، بين رئاسة الحكومة ومسؤولين أوروبيين معنيّين مباشرة بملفّ النزوح السوري من أجل توضيح بعض النقاط الملتبسة حيال هبة المليار المُقَرّ جزء منها سابقاً كمساعدات للبنان ولم تُدفع بعد.
وَضَع رئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس نجيب ميقاتي رئيس مجلس النواب يوم السبت بصورة هذه الاتّصالات وردّ الحكومة المُحضّر سلفاً في شأن ما أنجزته في ملفّ النزوح ومسار التفاوض مع الأوروبيين والمفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين والرئيس القبرصي و”توزيعة” المليار يورو المخصّصة فقط للبنان وغير المشروطة، كما أعلن ميقاتي، مع تسليم الأخير بأنّ الجلسة ستكون أشبه بجلسة مُساءلة للحكومة لا بدّ أن يكون إيقاعها مُدوزَناً مع بري من خلال الردّ على “هجوم” أو استفسارات النواب والتنسيق في شأن التوصيات الصادرة عنها.
مثلّث الأزمات
لكن، وفق تأكيد مصادر سياسية بارزة، لا يمكن فَصل ملفّ النزوح تماماً عن ملفّ رئاسة الجمهورية الذي لا يزال ينتظر حلول الهدنة في غزة والتسويات السرّيّة المواكبة لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب وعودة الاستقرار إلى جنوب لبنان.
داخلياً، أزمة النزوح التي “بجّت” مع إعلان ميقاتي هبة المليار استدعت إعادة تموضع لبعض القوى السياسية (القوات، التيار، المعارضة، الاشتراكي) ضمن محور موحّد قد يَنفرِط فور انتهاء جلسة الأربعاء أو قد يُبنَى عليه في ملفّات أخرى من ضمنها الرئاسة.
منذ إعلان الرئيس بري جلسة “مناقشة الموقف من الهبة الأوروبية” نشطت الاتصالات، بين رئاسة الحكومة ومسؤولين أوروبيين معنيّين مباشرة بملفّ النزوح
أمّا خارجياً فتلفت المصادر إلى أنّ “مثلّث الوضع في جنوب لبنان ورئاسة الجمهورية والنزوح السوري ثلاثة ملفّات “للأمر” الإقليمي والدولي تأثيرات مباشرة عليها. صحيح أنّ النزوح السوري قد يكون أكثرها خطورة وتعقيداً ويتطلّب مدى زمنياً طويلاً جدّاً لحلّه، لكن يصعب في حسابات الدول أن يُفصَل بالكامل عن ملفّات توازيه أهمّية، وقد يدخل ضمن سياق المقايضات حيال التسوية المنتظرة التي ستُعدّ الكبرى بعد اتفاق الطائف”.
تعلّق المصادر قائلة: “هل يتخيّل أحد تداعي النواب إلى انتخاب رئيس لا تعرف دول القرار استراتيجيته ورؤيته لملفّ النزوح السوري؟ صحيح أنّ رئيس الجمهورية لا يتمتّع بصلاحيات تنفيذية، لكنّ إدارته للملفّ تعني الكثير لهذه الدول وربّما أكثر من مسألة قربه أو بعده عن الحزب”.
مؤشّرات وتصفير مشاكل
هنا يُمكِن رَصد عدّة مؤشّرات داخلية تواكب إعادة التموضع الحاصلة بين بعض القوى السياسية، والمعطيات عن استئناف اللجنة الخماسية قريباً تحرّكاتها، والكلام المتزايد عن انعكاس التباين الإيراني-السوري على الملفّ الرئاسي، وهو الأمر الذي سمعه نواب لبنانيون في واشنطن أيضاً:
وجود قرار ضمني لدى النائب جبران باسيل بمحاولة تصفير المشاكل مع خصوم الأمس وصل إلى حدّ انتداب النائبة ندى البستاني للسفر مع الوفد النيابي المرافق للنائب فؤاد مخزومي إلى واشنطن ضمن سياق التقرّب من الأميركيين. فعلى الرغم من انتقاد باسيل في الكواليس للمزايدة القوّاتية في ملفّ النزوح بعدما رَكبت معراب متأخّرة قطار المواجهة، أطلق رئيس التيار الوطني الحر قبل أيام رسائل إيجابية باتّجاه القوات، وتُرجِم هذا الأمر من خلال دعوة نائب القوات غيّاث يزبك إلى مؤتمر البلديّات في البترون وتحميله رسالة قال فيها باسيل “عيب ما نشتغل سوا في ما يخصّ البلد ونحطّ خلافاتنا جانباً. وما إلنا حقّ لمّا حدن بيرجع يصوّب سياسته ويصحّحها (قاصداً سمير جعجع) ما نلاقيه ونسامح على الماضي”، شاكراً “كلّ جهد للقوات بملفّ النزوح”. أمّا في المقلب الآخر فتتردّد معلومات عن محاولة باسيل كسر الجليد مع قائد الجيش العماد جوزف عون من دون تجاوب من الأخير، لكنّ قريبين من القائد يؤكّدون أن ليس هناك أيّ خطوة حيال اليرزة في هذا الشأن.
وفق تأكيد مصادر سياسية بارزة، لا يمكن فَصل ملفّ النزوح تماماً عن ملفّ رئاسة الجمهورية الذي لا يزال ينتظر حلول الهدنة في غزة
وفق المعلومات أبلغ الرئيس السابق ميشال عون السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي التقاها أكثر من مرّة بعيداً من الإعلام ما سبق أن قاله علناً وأمام بعض زوّاره، لكن بلهجة أكثر حزماً، حول رفضه زجّ الحزب لبنان في حرب غزة، الأمر الذي تكفّل بـ “خلخلة” التحالف معه، ورفضه منطق وحدة الساحات وربط مصير جنوب لبنان ولبنان بغزة، وتأييده للقرارات الدولية التي تحقّق السلام في المنطقة.
– بروز اتّجاه لدى الثنائي الشيعي حركة أمل والحزب للتعاطي بجدّية أكثر مع طروحات الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين تُماثِل التنسيق السابق في ملفّ ترسيم الحدود البحرية لكن مع تمايز في الشكل. في ما يتعلّق بالرئيس بري تظهير رسمي لمحور بري-هوكستين بوصفه القناة الأكثر جدّية وإنتاجية ربّما في سياق إيجاد الحلّ المنتظر على خطّ الجنوب-بعبدا، خصوصاً أنّ الفرنسيين لم يأتوا بجديد في ورقتهم الثانية التي رُفِضت “شيعياً”. أمّا الحزب فرهانه الصامت على اعتبار نفسه الطرف الأساس الذي ستُعقد معه التسوية، “ولكلّ خطوة باتّجاه آموس وواشنطن لها ثمنها في المقابل”.
تأكيد مطّلعين عن وجود مدى زمني لوساطة اللجنة الخماسية قد يكون سقفه الأقصى نهاية الشهر المقبل ضمن إطار الضغط على القوى السياسية لتحديد خياراتها، خصوصاً لجهة الالتقاء حول طاولة حوار برئاسة الرئيس بري أو من دون “قيادته” وتحت سقف الملاحظات وفيتوات الكتل النيابية التي بات أعضاء الخماسية يحفظونها غيباً. لذلك تردّدت معلومات عن استئناف تحرّك “الخماسية” بالتزامن مع لازمة “هدنة غزة حاصلة حاصلة والمسألة مسألة توقيت فقط” وتأثيرها المباشر على الملفّ الرئاسي، وذلك قبل أن تدخل واشنطن في غيبوبة الانتخابات الرئاسية.
تقدّم الدور القطري مجدّداً من خلال سلسلة زيارات لشخصيات لبنانية للدوحة بدأت بزيارة الـ 24 ساعة للنائب باسيل في حزيران العام الماضي، ثمّ زيارة نائب حركة أمل علي حسن خليل في آذار الماضي موفداً من الرئيس بري، وزيارة قائد الجيش التي بدأت أمس والمرتبطة، وفق المعلومات، بملفّ الدعم والمحروقات وتجديد المساهمة المالية، من دون التقليل من جانبها السياسي، إضافة إلى الزيارة المرتقبة للنائب السابق وليد جنبلاط، وربّما أيضاً وفد من القوات وزيارة ثانية أخرى لباسيل.