الرئيسيةمقالات سياسيةما الذي ينتظر لبنان: وصاية واحدة أم وصايتان؟

ما الذي ينتظر لبنان: وصاية واحدة أم وصايتان؟

Published on

spot_img

لعل أخطر ما يتعرض له اللبنانيون اليوم هو اكتمال الاقتناع في المحافل الإقليمية والدولية بأنهم لم يبلغوا سن الرشد، وبأنهم ليسوا مؤهلين لإدارة أنفسهم بأنفسهم. وهذا يعني للبعض أنّ خروج سوريا من لبنان في العام 2005 ربما يكون «خطأ» يجب تصحيحه باستعادة أحد أنواع الوصاية على لبنان.

أوحى الانهيار اللبناني المتمادي، حيث تظهر الطبقة السياسية الحاكمة في وضعية العجز الكامل، بأنّ هناك أمراً لا بدّ أن ينتظره لبنان في قعر انهياره السحيق.
اليوم، لبنان بلا رئاسة جمهورية وبلا حكومة فاعلة وبمجلس نيابي مشلول، وبمؤسسات عامة تتوقف الواحدة تلو الأخرى بسبب عدم قدرة الموظفين على بلوغ مراكز أعمالهم. وفي الواقع، ليس في الدولة ما يمارس نشاطه، ولو بالحد الأدنى، سوى الجيش والقوى الأمنية.

ولذلك، هناك خشية من لجوء بعض القوى التخريبية، في الداخل أو الخارج، إلى استغلال النقمة الشعبية الناتجة عن الانهيار المالي المريع والتضخم الهائل، فتقوم بتوتير الوضع الأمني تحقيقاً لغايات خارجية، ويصبح البلد مرشحاً للدخول في مرحلة مختلفة كلياً. وفي هذه الحال، سيكون على القوى المعنية بالملف اللبناني، من إقليمية ودولية، أن تبادر بنفسها إلى إنتاج تسوية للمعضلة اللبنانية ووقف التدهور.

في الدرجة الأولى، سيكون على هذه القوى تجنّب أن يشكل الانفلات الأمني خطراً يتجاوز الحدود شرقاً في اتجاه سوريا، أو غرباً لتسريب اللاجئين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في القوارب عبر المتوسط نحو شواطئ أوروبا. ولكن أيضاً وخصوصاً، لمنع أن يؤدي التدهور إلى المَسّ بأمن إسرائيل. فهذا الأمر ما زال يعتبره الأميركيون والغربيون عموماً خطاً أحمر.

حتى إن الصين، التي تعمل اليوم لتثبيت دورها كراعية للمصالحات من الشرق الأوسط أو أوكرانيا، ستحرص على تقديم ضمانة لإسرائيل بأنّ السلام هو مصلحة دولية ثابتة، وبأن مشروعها «الحزام والطريق» يستلزم سلاماً إقليمياً ودولياً في الدرجة الأولى. وعملياً، تتقاطع مصالح إسرائيل والصينيين على السلام والتطبيع في الشرق الأوسط، لأنّ المبادرة الصينية تقتضي ربط إسرائيل بالجوار العربي في إطار علاقات من حسن الجوار.

إذاً، لا يمكن لأحد أن يتوقع توقّف الانهيار اللبناني من دون أن يتغير لبنان بالكامل. وثمة من يعتقد أن هناك مَن يدفع البلد إلى الانهيار الأعمق قصداً، لفرض المعطيات الجديدة وتغيير الواقع، ذلك أنّ اللبنانيين سيستسلمون في النهاية ويرضخون لأي مشيئة إقليمية أو دولية تنهي عذابهم والجوع.

ويمكن اعتبار اجتماع الخمسة في باريس هو النواة التي ستتولى صياغة التسوية لاحقاً. ويمكن أن يتّسع هذا الاجتماع لقوى أخرى في ضوء المصالحات التي جرت أخيراً على الخط السعودي – الإيراني أو تلك التي هي قيد الإنجاز على الخط السعودي – السوري.

هذا يعني أن عملية إنضاج المخارج الجديدة في لبنان مرسومة مبدئياً، لكنها تحتاج إلى المزيد من الوقت وتكامل المعطيات لتنطلق. وحتى ذلك الحين، ستبتكر الأدمغة الخلاقة أساليب لتعميق الانهيار في لبنان، حتى تكون الساحة جاهزة لتطبيق التسويات التي يجري إعدادها. ويقول بعض الخبراء إنّ اللبنانيين، الذين يتم إقناعهم بفكرة أنهم عاجزون عن إدارة أنفسهم، سيضطرون إلى القبول مجدداً بأنواع من الوصايات الإقليمية أو الدولية.

القريبون من دمشق، في مرحلة وصايتها السابقة على لبنان، ما زالوا يعتقدون أنها ستستعيد نوعاً معيناً من الوصاية على لبنان في نهاية هذا الانهيار، ويكررون القول إن خروجها من لبنان في العام 2005 كان خطأ تمّ ارتكابه في لحظة دولية – إقليمية معينة، ويجب تصحيحه.

لكن خصوم دمشق يعتبرون أن هذه المرحلة انقضَت ولن تعود، وأنّ وصاية سوريا هي التي أتاحت لقوى السلطة الحالية أن تتحكّم بالبلد وتستبيح الدستور والقوانين وموارد الدولة حتى وقعَ الانهيار. وتالياً، إذا كانت هناك حاجة لنوع معين من «الوصاية»، مع التحفظ على التسمية، فيجب أن تكون مدروسة وتحترم سيادة لبنان ومصالحه، وتتم من خلال الأمم المتحدة، ولفترة محددة وبأهداف واضحة، وخلالها يتم بناء الدولة على أسس حديثة وعادلة وثابتة.

طبعاً، هناك انقسام في لبنان حول نوع الوصاية. ولكن على الأرجح، في النهاية، وفي خضم الفوضى والجوع والتفلّت، قد لا يعترض أحد على فكرة الوصاية في ذاتها. فيحبّذ البعض أن تكون سوريةؤ- إيرانية – شرقية، ويطالب البعض الآخر بأن تكون غربية – عربية – دولية.

إذا حصل تفاهم دولي – إقليمي بين الجبهتين «الشرقية» و»الغربية»، فيمكن أن تأتي الوصاية على لبنان مشتركة. وللتذكير، اتفاق الطائف هو أحد نماذج هذه الوصاية. ولكن، هل تكون هناك نماذج أخرى محتملة، بالتوافق أو بالتصارع بين القوى الخارجية الفاعلة؟
في عبارة أخرى، هل يتولى «الشرقيون» وصاية على بعض لبنان، و»الغربيون» مع حلفائهم العرب وصاية على البعض الآخر؟ وماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى مستقبل لبنان؟

أحدث المقالات

قرار مجلس الأمن إنذار أميركي أول لإسرائيل؟

تثبت مجريات الأحداث من غزة إلى جنوب لبنان، واستمرار الاعتداءات الاسرائيلية، كأنّ قرار مجلس...

هل يُسلّم البيطار ملفّه لمدّعي عام التمييز؟

من موقعه القضائي كرئيس لمحكمة التمييز الجزائية كان القاضي جمال الحجّار يتابع مراحل التحقيقات...

“الاشتباك” الأميركي الإسرائيلي: نتنياهو يهدد المنطقة

قراءات متناقضة يمكن تسجيلها في السلوك الأميركي لحظة قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف...

The Masterpiece

All angels in heaven made a design . They asked god to keep it an...

المزيد من هذه الأخبار

“المجلة” تنشر نص “اتفاق باريس” بين إسرائيل و”حماس”… تحويل الهدنة إلى حل سياسي من ثلاث مراحل

تكثف دول كبرى وإقليمية، جهودها لتحويل مجموعة من الأفكار إلى خطة عمل بمراحل محددة...

بداية حل الأزمة المصرفية توصيفها

التوقّف عند أرقام الخسارة والفجوة الماليّة، والعودة بالتاريخ إلى الوراء في محاولة لإعطاء حياة...

بكركي تملأ الفراغ المسيحيّ بطاولة مستديرة ووثيقة سياسيّة

مع صعوبة عقد طاولة حوار للقيادات المسيحية في بكركي كما اقترح رئيس التيار الوطني...

باسيل المهمّش والمهشم (1) إنعاش “المارونية السياسية” لتعويم نفسه مسيحياً

منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في 31 تشرين الأول 2022،...

البطريرك الراعي: الرئيس لا يُنتَخَب في صالون المجلس

مجرّد صدور الدعوة إلى تلاقي القيادات المسيحية في بكركي “حماية للوجود المسيحي والشراكة المتناصفة...

اللجنة الخماسية: خارطة طريق السفراء

يقول سفراء اللجنة الخماسية المعنيّة بالملفّ اللبناني إنّهم يعملون على رسم ملامح خريطة طريق...

مداراة غربية لطهران.. لا تفاهمات نووية قبل الإنتخابات الأمريكية

لا أحد يملك جواباً حاسماً حول مآل المفاوضات الأميركية الإيرانية في سلطنة عُمان، في...

ما بين نيويورك والدوحة: رفح وبيروت تنتظران “لحظات حرجة”!

ما بين أروقة الأمم المتحدة وقطر اكثر من جديد متوقع، وابرزه يقود الى مشروع...

الدولة الفلسطينية إنقاذ أم خديعة؟

مثل مفاجأة الحرب، جاءت مفاجأة الدولتين. كلّ العالم يريد وقف النار، والمساعدات، والعمل على...

“طاولة برّي” لن تنعقد والراعي لن يُلَبّي نداء باسيل!

لا أحد قادر حتى الآن على تقدير “الكلفة” العسكرية والبشرية والسياسية لإبقاء “جبهة المساندة”...

“بورصة” الحرب الإقليمية يتلاعب بها الجموح الإسرائيلي و”الدهاء” الإيراني

لا خيار إلا تشبيه مسار الحرب على غزة، وانعكاسها على الساحة اللبنانية، بـ”البورصة” أو...

جواب ديبلوماسي على المبادرة الفرنسية لم يخرج عن “المبدئية”

لا يمكن المقارنة بين تأثير الورقة الفرنسية التي تقدمت بها فرنسا إلى لبنان والمتعلقة...

حكومة محمد مصطفى في فلسطين: إدارة الحرب… أو الحلّ؟

قبل أن يعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى محمد مصطفى تشكيل حكومة، كان يصعب...

الحــزب: عون غيّر رأيه.. ولم نَعِد باسيل بشيء

هل يمكن لأيّ تسوية رئاسية أو سياسية مقبلة أن تأتي فوق ركام علاقة التحالف...

اللحظة المناسبة لـ”الحــزب” والمعارضة: تسوية تقطع طريق الحرب الإسرائيلية

يقول التقرير الذي نشرته وكالة “رويترز”، عن اللقاء بين أمين عام حزب الله، السيد...