لم يعد خافيا على احد ان المصارف اللبنانية تمعن بسرقة الللبنانيين واموالهم، وبتواطئ صارخ وفاضح مع مصرف لبنان والطبقة السياسية اللبنانية بأغلبيتها الساحقة. لا سيما حين نرى نراقب عن كسب كمية التلاعب القائمة وتبادل الخدمات والحمايات المستمرة بالاتجاهات المتعددة.
فتحتَ ستار حماية القطاع المصرفي ومنعه من الافلاس، تستمر السرقات اليومية لودائع اللبنانيين عبر منصة صيرفة، بحيث يؤمن مصرف لبنان ملايين من الدولارات للمصارف باسعار أدنى من سعر السوق الفعلي المتداول للدولار، لتعمد المصارف المملوكة بأغلبيتها الساحقة من الطبقة السياسية الحاكمة وحاشيتها، للاحتفاظ بأغلبية قيمة اموال منصة صيرفة لنفسها ولاركانها وحاشيتها دون المواطنين. وكأن شعار الحفاظ على القطاع المصرفي وحمايته من الافلاس يمر بإفلاس اللبنانيين وسرقة ودائعهم ومداخراتهم كاملة، دون اصحاب المصارف والطبقة الفاسدة التي سرقت الدولة وهدرت اموالها وهرّبتْ أموالها الى الخارج.
عندما يتوجه موظف من القطاع الخاص الى اغلبية المصارف ليسحب راتبه الشهري على سعر صيرفة، يصطدم بامتناعها عن صرفه بالدولار تحت عذر ان مصرف لبنان يؤمن كوتا ضئيلة لكل منها، بما لا تسمح بالاستفادة من منصة صيرفة الا لموظفي القطاع العام. وهذا رغم أن كل مؤسسات القطاع الخاص تودع رواتب موظفيها نقداً ومن اموالها الخاصة، بعكس موظفي الدولة الممولين من الخزينة اللبنانية واموال المودعين. وبتمييز عنصري سافر، وكأن هناك موظف لبناني إبن سيدة يستطيع الاستفادة من منصة صيرفة واخر إبن جارية.
على صعيد آخر، تستمر المصارف بوضع شروطها اليومية الاستنسابية من إقتطاع عمولة بما يقارب 10 دولار اميركي على عمليات سحب الرواتب بالدولار (الفريش النقدي) بالاضافة الى نسبة متفاوتة تصل الى 2/1000 من قيمة الراتب بالفريش الدولار. كما تعمد على الزام الموظفين بترك جزء من قيمة الراتب في الحساب الجاري بعذر عدم إفراغه.
اما لجهة الحوالات القادمة من الخارج، فحدث ولا حرج، حيث تقوم المصارف بتجميد القدرة على سحبها لفنرة زمنية استنسابية، وتقسطها على مراحل( بالقطارة)، لتراكم عمليات الاقتطاع الممنهجة على كل عملية سحب، يضاف اليها إقتطاع نسبة مئوية تصل في بعض الاحيان الى 5% من قيمة الحوالة، لتراكم الارباح اليومية وتتهرب من دفع مستحفات الدولة عليها، بما يتعارض مع قانون النقد والتسليف ودون حسيب او رقيب وبصمت مدقع من الطبقة السياسية برمتها على كل عمليات السرقة الممنهجة مما تبقى من اموال المودعين في مصرف لبنان.
ثم تأتيك حكومة الرئيس ميقاتي ووزيرماليته لمطالبة موظفي القطاع الخاص ممن يتقاضون رواتبهم بالفريش دولار، بدفع جزية بمفعول رجعي عن فترة ما قبل 15 تشرين الثاني المنصرم، وهذا رغم عدم استفادتهم من منصة صيرفة، ورغم إقتطاع المصارف عمولات مجحفة متضخمة من رواتبهم المتدنية أساساً، وبضريبة دخل تنازلية بعكس كل الانظمة الضريبة التصاعدية المعمول في فيها في العالم. بحيث تُدفع على اساس 8 الاف ليرة للدولار الواحد لكل من يتقاضى أقل من ثلاث الالف دولار شهرياً. وعند تخطي الراتب لسقف 3 الاف دولار، عليه دفع ضريبة اضافية تحتَسبْ على اساس سعر 1500 ليرة للدولار وبعكس العقل والمنطق. وهذا يعني أن اي موظف تقاضى راتب بقيمة 500 بالفريش دولارشهرياً، سيدفع ما يقارب 9 ملايين ليرة بمفعول رجعي عن سنة 2022. يضاف اليها ابتداءاً من عام 2023 ضريبة دخل دخل على الفريش دولار تحتسب على قيمة الدولار 18 الف ليرة. علماً ان هذه الحكومة لم تقدم للان اي بند إصلاحي سوى الاقتطاع من جيب المواطن وحليب اطفاله ودواء مرضاه، ورفع الرسوم والضرائب على كل السلع، لتأمين موارد للهدر والفساد لتيار كهربائي مفقود من بيوت كل اللبنانيين، ولشراء مشتقات نفطية تُهرب بأغلبيتها الى سوريا يستفيد منها أغلبية اصحاب القرار. علماً ان الموظفين المستهدفين بهذا القرار لا قدرة لهم على دفع اي مستحقات إضافية بمفعول رجعي لا يمتلكونها نسبة الى غلاء المعيشة المستشري.
اما السادة النواب الغياب ولجنة المال العتيدة، وبعدما هربت كل الطبقة السياسية الفاسدة والمصارف اموال المودعين الى الخارج، ما زالوا يناقشون منذ ثلاث سنوات وليومنا هذا، امكانية تطبيق مشروع الكابيتول كونترول على من تبقى من مودعين، اولئك الذين يُنهبون كل يوم من خلال الزامهم ببيع اموالهم عبر الشك المصرفي، او سحب كميات منها على سعر 8 الاف ليرة للدولار. وهذا دون التطرق الى عدم الزام الدولة او المصارف بأية عقوبات او محاسبة او مراقبة لكل الاجراءات التعسفية التي سيقت بحق المودعين والموظفين ومنع الاستمرار بها، بل نراهم على العكس يدفعون بإتجاه إقرار حماية المصارف من أي ملاحقة قانونية في الداخل والخارج، وتثبيت تملص الدولة ومصرف لبنان والمصارف من واجباتهم كجهة ضامنة لودائع اللبنانيين ومدخراتهم.
لا يمكن القول الا أن هذه الطغمة السياسية الفاسدة التي تدير البلد وتشرعن سرقة الدولة والناس وتحمي المصارف، وتعرقل كل تحقيق مالي وتعطل كل الادارات الرقابية، ليست سوى مافيا منظمة تحكم دولة. مافيا لا تريد اصلاحات ولا من يحزنون، بل تسعى جاهدة للتعتيم على سرقاتها للمال العام والمودعين، بتضييع دم الضحايا وتدمير المؤسسات لإزالة كل آثار الجريمة.
فعلاً “رضي المسروق ولم يرضى السارق” والاتي أعظم.